صورة من قساوة الحياة

ثلاثاء, 03/08/2016 - 00:07

 

قسا الزمن  عليها فرماها بأيتام فقدوا والدهم في حادث سير مروع.. طوحت بمصيرهم العدالة ونفوذ مالك السيارة التي تسببت في موت معيلهم ..بحرمانهم حق التعويض الذي خسروه بتبرئة المحكمة للسائق من تهمة وإلصاقتها بمجهول لعدم توفر الأدلة التي تدين السائق .

لم يبق لديها الولوج إلى ميدان العمل .. فجربت العمل في المنازل خادمة ، والعمل في غسل الثياب في المنازل .. ولكنها فشلت في الكسب منه بسبب ما تعرضت له من الأسر التي قادتها القدرة للعمل معها .. ففي خدمة المنازل اتهمتها ربة المنزل عندما طلبت راتبها بسرقة مجوهرات ثمينة ادعت ربة المنزل أنها كانت تحتفظ بها في ركن من غرفة نومها ، وفبركت قصة تفاعلت معها الشرطة قال فيها أنها تركت مفتاح الغرفة للخادمة لتنظيفها  وبعد عودتها تفقد المجوهرات ... و تعرضت  المسكينة للاستهزاء والعنف من قبل الشرطة التي لم تتكلف عناء التحقيق في الموضوع ..وإنما اكتفت بالدعاء ربة المنزل .. ومكثت المسكينة أياما بين أركان حجز مقرف رفقة أطفالها اليتامى يشهدون ما تتعرض له أمهم من الإهانة على يد الشرطة وليس لديهم غير اللوذ بالبكاء تعبيرا عن غضبهم .

أما في عمل غسيل الثياب في المنازل فتعرضت لنكبة أخرى مماثلة حيث اتهمتها ربة بيت بمحاولة التحرش بزوجها في غيابها حيث دخلت عليه غرفة النوم .. وتعرضت المسكينة للضرب المبرح من السيدة التي تعاونت مع أخواتها على ضربها وطردها من المنزل بعد أن قامت بغسل أكوام من اللباس .

لكنها ظلت قوية  كالجبل النابت في وجه العاديات.. تتحدى البرد القارس ،والشمس الحارقة ، والبؤس والحرمان  لتجني الحم والقديم والمرق  وعلب اللبن للصغار .

وأخيرا استقرت بها المقام بالقرب من مدرسة عمومية  في حي شعبي بضاحية العاصمة  قيدت فيها الطفل الكبير من أبنائها لتكون قريبة منه تراقبه وتلبي  حاجته من زاد وطعام ،فعملت في بيع صادويشات باللحم المطحون والخبز.. فكان تلاميذ في المدرسة يتحلقون من حولها لشراء صندويش ، وتعلقوا بها كثيراحتى أنهم يسألون عنها ويتطلعون بأعناقهم الصغيرة بحثا عنها عندما تغيب لعارض .

ورق قلب مدير المدرسة لحالها فخلق لها عملا – تنظيف الإدارة- تكسب منه في كل آخر شهر مبلغا يساعدها على ما تجنيه من كشكها وبيع صاندويش .. وفي المساء تعكف المسكية على صناعة الكسكس وتجلس على باب مجمع تجاري في حي بعيد من الحي الذي تسكنه ، ولا تفرغ من بيع تجارتها إلا في وقت متأخر.. حيث تعود مثقلة  تجر قدمين متورمتين وجسم أنهكه التعب ، وما تكاد ترتمي بين صغارها حتى تنتفض على صيحات الديك المبشرة بالصبح، وتستأنف يوما جديدا لا يختلف عن الذي قبله  في سبيل الحياة.