أوجفت: صراع القلوب! / د. دداه محمد الأمين الهادي

أربعاء, 11/30/2016 - 17:51

زيارة متوقعة لربوع تقاسي شر الفرقة، ونار التشرذم، ... تلك الزيارة التي حملت صاحب الفخامة إلى أطلال ودمن أوجفت القديمة، وجعلته ينام بين أخبية وأعرشة المدينة الراحلة- أوجفت، التي تنسل من تحت الرمال مقاومة الاندثار والتلاشي بشموخها وكبريائها، فما تلبث أن تعلق من جديد في الصراع
 الأزلي ذاته، لكنها لا تستسلم.
        تعيش أوجفت صراعا محتدما بين أطرها وساستها وعسكرييها ونافذيها على اختلاف المشارب، فالأوجفتيون لا يتفقون، وإن اتفقوا فعلى الاختلاف، وما مظاهر الخلاف الظاهرة إلا تعبيرا صادقا عن طوايا ونيات غير صافية تولدت من الأحقاد المختلفة، ولم يستطع الأوجفتي تجاوزها، وعلى أية حال فقد استقر الأمر في أوجفت لطرف واحد، ساعدته العوامل المتداخلة على النصر والفوز على غريمه التاريخي بالأمس، في حين وضعت الحياة الطرف الآخر في حالة تقاعد سياسي صارخ إلى إشعار آخر.
        لا تبدو أوجفت –وهي تستقبل صاحب الفخامة- تلك العروس الفاتنة، المتزينة بالأحجار الكريمة، التي ترفل في الحرير، ويداها مخضبتان بالحناء، إنها تعبر عن استيلاب الحق، وضياع الفرصة السانحة، فلم يتوافر حكم في موريتانيا لفترة مهمة إلا وكانت أوجفت صاحبة علاقة قوية به، ولم تعدم في تاريخها الأطر والوجهاء والساسة، لكن الصراع القوي بين أجنحة أوجفت منعها من التحليق عاليا، بل لم تطر أساسا، فبرغم ما رآه صاحب الفخامة فيها من قصص عن أمجاد التاريخ، وحفدة عقبة بن نافع، وبقايا كنوز البافور، ومقتل كبولاني، فإنها في المدنية الحديثة تتقارب –جدا- مع مدن الحاضر، المنشئة بالأمس، كالشامي وانبيكت لحواش.
        أقول الحق-والحق يقال- إن طريق أوجفت وحده يكفي لجعل ساكنتها موالية للنظام جميعا، ولم لا، والعصر الطائعي رغم وشائج القربى، وصعوبة حياة ساكنة مجابات أوجفت الكبرى لم يلتفت بجد لذلك المطلب الملح، الذي لو ترك لأبناء أوجفت لعارضوه بقوة، ولما كان، لكن –والله الموفق- كنتم للطريق فكان، فشكرا لكم باسم الضعفاء والبؤساء والمحتاجين والمعوزين، والمهمشين بالكيد والحقد والضغائن.
        أوجفت هي قلعة المعارضة الشبابية الراديكالية، فعلى الشبكة العنكبوتية –مثلا- تظهر بسالة وقوة شكيمة الشباب الأوجفتي من مدونين وكتاب، وحتى في الوقفات الثائرة الناقمة تجد شباب أوجفت فارعا كالنخلة الجبلية، ولولا أنكم تداركتم الموقف شيئا ما لكان الأمر أعظم مما هو عليه، فمدير ديوان الوزير الأول –وهو أوجفتي قح- كان ضمن حملة الشهادات، الذين وقفوا على بوابة القصر المنيف، يتنسمون عبق البرودة والطقس الاستوائي، عسى نفحات تضل طريقها إليه.
       يخرج الشباب الأطاري نسبة لأطار ليجد بعض المواساة في رجال أعماله أحيانا، فيلقمونه أوقية، أو هدية، أو بيضة، أو ضحكة، أو وعدا زائفا، أو جلسة مواساة، لكن الشاب الأجفتي تسد أمامه الأبواب، لا يجد متنفسا، يترك للجوع والمرض، وحين يرفع رأسه صارخا يلقمونه حجرا، ولذا لا تخف بذور المعارضة، ولا تنصلح حال بحال، فصلاح الحال هناك من المحال، حتى كتابة هذا المقال.
       ووحدكم –سيدي الرئيس- عينتم شابا أوجفتيا بإرادتكم الحرة، ولو ترك الأمر لأوجفت لكان محمد/جبريل اليوم بين ظهران شبابها المنسي، يتهجى كلمة غاضبة بصوت يائس مبحوح، صحيح أنهم في الأخير اعترفوا به، وتبنوا زعامته، تماما كما فعلوا مع الطريق، ومع ... ومع ... وفي النهاية هم سدنة الوادي.
       الشباب الأوجفتي ضحايا لصراع محتدم، هو ترجمة حرفية للظرفية البادية أمام عيونكم حالا، حيث لا مرعى ولا شجر، وجبلان، ورجلان، ومنزلان-قصران فخمان، وروابي من التراب، وأشباح وأرواح تتهادى على إيقاع حزين، أيها المساكين صبرا، "مصائبكم في الدنيا غنائمكم في الآخرة" ... وبللت دموع قلبي قرطاس روحي.
        شكرا للأهل في أطار، أكدوا المثل العربي الخالد "الدم لا يصبح ماءً"، فدفعوا الملايين مساعدة لأوجفت وأهلها، دعما ومساندة ومؤازرة، هم هكذا خلقوا .. هم هكذا كانوا ... أسهموا في الزيارة ماديا، فالأطاريون قد يختلفون لكنهم لا "يمنعون الماعون"/ إنهم يتسامون على الأحقاد والخلافات غالبا، وإذا همشوك فابحث وراء الأكمة والأجمة عن شخص لم يشرب ماء ترون، واتويزكت، ولم ينزل حافيا في صباه من انطارزي.
        لو قرر كل إطار أوجفتي التغاضي عن كذبة الهيكل المزعوم، والترفع عن سفاسف الأمور، والدفع بالتي هي أحسن ماديا ومعنويا وسياسيا واجتماعيا، ودينيا قبل كل شيء لما اجتاحت المعارضة شباب أوجفت الظامي إلى من يحس بشجونه وهمومه وتعاسته، لكن "يا أسفاه على يوسف".
ولله در غانم الروحاني القائل:
وكل الأيادي إذا اجتمعت - دنا المجد حتما لنا وابتسمْ
بغير التعــاون لن نرتقي - وليس لنا ذكر بيـــن الأممْ
       يا أيها الأوجفتيون تعاونوا، فالتعاون من الصفات الجميلة الحسنة، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَثَل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمَثَل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى)، ومن القول المأثور عند العرب (يد الله مع الجماعة).
      وإذا كان لا بد لنا من التحاسد والتباغض، فحبذا لو فعلناه على طريقة أبي حيان التوحيدي، القائل: "عَذٍبْ حسادك بالإحسان إليهم".
     اقرؤوا المقال رجاءً، دون التفكير بمصير الكاتب، ......ـ ، جاء في محكم التنزيل: "قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ". صدق الله العظيم.