ضاربة الودع/بقلم:محمد أحمد حبيب الله (ولد أحمدو)

جمعة, 12/30/2016 - 12:45

 

كان ذلك قبل أربعين سنة، عندما حطت(مَنُ) رحالها بعد سفر طويل وشاق في العاصمة نواكشوط، حيث قطنت في حي "لكصر"مع أسرة كانت قد هجرت - مع بداية تأسيس العاصمة،بداعي عمل معيلها الذي كان من أوائل الذين خدموا في الجيش- من عاصمة الحوض الشرقي النعمة مسقط رأس- مَنُ- التي استقبلتها  الأسرة بحفاوة وسرور وشاطرتها عيشها، حتى اختارت تركتها وبناء عريش في مكان قصي في طرف الحي ، بدعوى المطالبة بالحصول على قطعة أرضية، وظل والد الأسرة يرعاها ويتعهد ها من وقت لآخر، ويوصي زوجته بها خيرا.. ولم مضي علي مَنُ كثيرا من الوقت حتى تزوجت من رجل يدعى (الوالد)، كانت قد أشارت عليها بالزواج منه صديقة للأسرة التي احتضنتها، وذهب الوالد بها عن حي"لكصر" إلى حي السبخة حيث يعمل – الرجل- بائعا بمحل تجاري قريب من السوق، ولم تمر على مَنُ فترة قصيرة مع الوالد حتى  انتفخ بطنها بحمل رغم عمرها المتقدم، وارتبطت بعلاقات واسعة مع نساء الحي اللواتي كان بينهن زوجات مدراء ومسؤولين كبار في الحكومة ورجال أعمال، بفعل عمل ضرب الودع، وادعائها قراءة الطالع الذي كانت توفق فيه، وازدهرت الحالة المادية لزوجها بمساعدته بفضل المساعدات والهدايا التي تحصل عليها من قراءة الطالع وضرب الودع لزميلاتها اللواتي بهرتهن بذكائها وقدرتها على تخمين ما يدور في تفكيرهن.

وأنجبت مَنُ طفلا بعد سنتين من زواجها، وما إن تقدم الزمن قليلا حتى أنجبت بنتا، وانشغلت في تربية الطفل والبنت، وضرب الودع حتى غص المنزل بالزوار المبهورين بها، فاضطرت إلى توسيعه بقطعة أرضية اشترتها من جار دفعته الظروف لبيع أرضه، وبنت فيها متسعا تلتقي فيه مع صديقاتها وزبوناتها اللواتي أزداد عدادهن يوما بعد يوم، حتى ضاق بهم المكان الجديد، فأجرت قطعة بجوار منزلها تمددت فيها، قبل أن يضطر صاحبها لعرضها للبيع  وشرائها.

..............................

 وغفلت مَنُ بعملها عن زوجها الذي كان يعمل عند زواجه معها بائعا في محل تجاري صغير لا يكاد يتسع لشخص واحد، وما إن مرت  سنوات على زواجه بها حتى اشترى المحل من صاحبه، واشترى محلا آخر مجاورا قام بتوسعة المحل إليه، واشترى محلا للتسويق في موقع استراتيجي داخل السوق، وعلى شأنه بين تجار الجملة بفعل المواقع الإستراتيجية التي ملكها من السوق، فجذب طمع الموٌرِدين  الذين قدموا له البضاعة بشتى أنواعها، وكسب من وراء ذلك مالا كثيرا اشترى منه قطعان البقر و الإبل، والغنم  سرحها في مناكب شتى من الوطن، واعتمدته شركة سونومكس ممثلا وحيدا لها يبيع المواد الغذائية(الأرز، والسكر، والشاي)، ودخل الوالد إلى الثراء من الباب الواسع.

............................

وظل الحال قائما بين الوالد و مَنُ، الوالد مشغولا في التجارة والكسب من البيع والشراء وتكديس المال في البضاعة والأنعام،والضياع والمزارع،.. وغرقت مَنُ في جمع المال من  ما تكسبه من وراء علاقاتها التي امتدت إلى بلاط الحكم بعد ذيوع اسمها بين الطبقات بحسن قراءة الطالع والتوفيق فيه، فاستدعيت من قبل سيدات وزراء الحكومة اللواتي مهدن لها لدخول قلب زوجة الرئيس التي استدعتها إلى القصر، وانبهرت وأعجبت بها كثيرا ، وصارت تتنقل بين سيدات القصر والحكومة، تجلب  ما غلى ثمنه وخف حمله، حتى جمعت من ذلك مالا يضاهي ما جمعه زوجها..وحتى تحافظ على علاقاتها وتستثمر مالها فتحت محلا لبيع أغراض النساء في سوق العاصمة"كبتال" وصارت تبعث مع سيدات البلاط اللواتي يذهبن في الرحلات إلى الخارج مع أزواجهن ليجلبن لها البضاعة الثمينة، وتبيعها بأسعار فوق ذلك مرات متكررة.

..........................

وفي غمرة انشغال الوالد ومَنُ كان الطفل وأخته يكبران بسرعة بين يدي خادمة - جلبها الوالد- في دعة من العيش لا يحتاجان إلى شيء إلا كان بين يديهما في لمح البصر.. وأرسل الطفل إلى معلم للقرآن في الحي، لكنه انحرف وصار يقضي وقته بين أطفال في الشارع يتردد معهم على مكب قمامة السفارات الأجنبية(الفرنسية) يجمعون قنن الخمر  وعلب الألبان والعصائر الفارغة، وأشياء جميلة  في عيونه ينتقونها للعب.. أما البنت فقامت الخادمة في المنزل على سقيها وتغذيتها كما تغذي الدابة للذبح، حتى انتفخت وكبر قدرها عن سنها، وفقدت حواس التفكير والعقل، بسبب الأمية والسمنة وصغر السن.

ولأول شاب تقدم وافق الوالد على تزويج  البنت له، حتى تسقط رعايتها وحضانتها عنه.. وقبلت مَنُ الشاب زوجا لابنتها لشرف محتده، وأقاما فرحا كبيرا حضرته علية القوم وسيدات النسوة، وأنفق الوالد المال رغم كرهه للإنفاق مباهاة وفخرا بين الناس، واستوردت مَنُ القلائد والأساور وخواتم الذهب الخالص من السعودية لتتحلى بهم الفتاة ليلة الزفاف، وعقد القران، وعرضت الفتاة في زينتها وزيها الفاخر على النسوة قبل أن تزف إلى زوجها.

..................

 وتخلص الزوجان من ابنتهما، ولم يبق غير الطفل الذي نصحت مَنُ والده بأن يذهب به إلى محظرة  مقطوعة عن المدينة ويوصي عليه مدرسا يدرسه القرآن، وفنون الفقه والعربية.. واستغرب الوالد اقتراح مَنُ التي كانت قد منعته من الذهاب به قبل سنوات إلى المحظرة ليتربي بين طلابها ويفتح عينه علي الدرس والتدريس... تابع