تأملات رمضانية / محمد الأمين بن الشيخ بن مزيد

أحد, 05/28/2017 - 09:48

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد:
فهذه بعض المعاني الكبيرة التي تتضمنها النصوص الواردة في الصيام وأقدمها تحت عنوان "تأملات رمضانية".

وأول هذه المعاني هو: الحكمة من فرض الصيام المشار إليها بقوله تعالى: {لعلكم تتقون} في قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(سورة البقرة183).
فالحكمة هي أن الصوم وسيلة تربوية لغرس التقوى في النفوس ، والتقوى عبارة عن: امتثال الأوامر ، واجتناب النواهي.
وهي بحاجة إلى تدريب وتعود ، وفي رمضان يكون هذا التدريب، والمسلم مرغب في مواصلة الصيام بعد رمضان وأفضل الصيام صيام داود عليه السلام ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ، كما في الصحيحــين.
وفي الصحيحين: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجــاء".
الصيام وسيلة من وسائل التقوى ، ذلك أنه تعامل صادق مع الله لا علاقة للعباد به ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به"( ).
في الصيام يستشعر العبد معاني رقابة الله واطلاعه ومعيته:
{إن الله كان عليكم رقيبا}(سورة النساء: 1) {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}(سورة المجادلة: 7) {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبــين}(سورة يونس:61).
وإذا استشعر العبد ذلك أطاع فزكت نفسه ، وصفت روحه وترقى حتى يصل إلى درجة الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
والإيمان والإحسان يثمران الأعمال الصالحة وينهيان عن الفحشاء والمنكر ، ومن هنا كان الاقتران المتكرر في القرآن بين {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} ، والأعمال الصالحة -من جهتها- تزيد الإيمان.
فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية {والذين اهتدوا زادهم عدى وآتاهم تقواهم}(سورة محمد 17) {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا}(سورة مريم76).
ومن ثواب الحسنة ، الحسنة بعدها ومن ثواب السيئة ، السيئة بعدها ، كما قال السلف.
وقد أفرطت بعض الفرق في فهم الارتباط بين الإيمان والعمل الصالح ، فاعتبروا الفاسق كافرا.
والحقيقة أن هذا الارتباط لا يخرج المؤمن عن بشريته ليكون من {الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون}(سورة التحريم :6).
الصوم إذن وسيلة تربوية لغرس معاني التقوى في النفوس ، ولذلك دلت النصوص على أن الصوم ليس إمساكا عن الأكل والشرب فحسب ، وإنما هو مع ذلك كف عن المحرمات. وبمقدار ما يتحرز الصائم عن الأكل والشرب عليه أن يتحرز من الغيبة والنميمة وشهادة الزور وأنواع المعاصي.
عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "الصيام جنة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ، إني صـائم"( ).
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال: "من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". ولهذا يقول أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين:
"اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص، أما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة ، وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام ، وأما صوم خصوص الخصوص فهو: صوم القلب عن الهمم الدنية والأفكار الدنيوية وكفه عما سوى الله عز وجل بالكلية".
ثم يقول بعد ذلك:
"أما صوم الخصوص وهو صوم الصالحين فهو كف الجوارح عن الآثام وتمامه بستة أمور:
الأول: غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره وإلى كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل
الثاني: حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمراء ، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن.
الثالث: كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ، ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال: {سماعون للكذب أكالون للسحــــت}.
الرابع: كف بقية الجوارح عن الآثام … وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار.
الخامس: أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلئ جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال.
السادس: أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقا مضطربا بين الخوف والرجاء إذ ليس يدرى أيقبل صومه فهو من المقربين ، أو يرد عليه فهو من الممقوتين"( ).
وإذا كان كل الفقهاء يرون الأكل والشرب مفطرا ، فإن الإمام ابن حزم الظاهري يرى أن المعصية تفطر الصائم ، ويدافع ابن حزم بكل ما أوتي من قدرة على الإقناع عن هذا الرأي في كتابه المحلى.
فإذا ألزم المسلم نفسه بالاستقامة وهو صائم ، وتحرز من المعاصي في فترة الصيام كما يتحرز من الأكل والشرب ، أوشك أن تصبح التقوى له عادة وأن تتحول عادة التقوى عنده إلى ملكة ثابتة توجهه في كل تصرفاتـــه.
وثاني هذه المعاني التي نلحظها: العلاقة الوثيقة بين رمضان والقرآن:
ففي هذا الشهر المبارك نزل القرآن قال الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقــان}(سورة البقرة:185).
وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس أن النبي كان يعرض القرآن على جبريل كل ليلة من ليالي رمضان حين يلقاه جبريل. فرمضان هو شهر القرآن ، تلاوة وقياما وإنفاقا وأخلاقا.
ولئن كان قيام الليل من سنن رسول الله الثابتة في رمضان وفي غير رمضان امتثالا لأوامر الله عز وجل {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا}(سورة المزمل: 1-6) {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}(سورة الإسراء:79)) وقيام الليل من سنن الأنبياء والصالحين ، وفي الصحيحين: «أفضل القيام قيام داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه».
وقال الله عز وجل: {كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون}(سورة الذاريات17-18) ، وقال الله عز وجل: {والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما}(سورة الفرقان64) وقال الله عز وجل: {أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}(سورة الزمر:9) وقال الله عز وجل: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون ، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}(سورة السحدة : 16-17).
فهذه الآيات كلها تدل على أن قيام الليل سنة ثابتة في رمضان وفي غيره ، غير أن اختصاص رمضان بليلة القدر التي يقول الله تبارك وتعالى فيها: {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر…}(سورة القدر1-3) ويقول فيها: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة..}(سورة الدخان :3).
ويقول فيها صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه»( ).
- يجعل القيام في رمضان آكد ويكون آكد في العشر الأواخر من رمضان التي أمرنا بتحري ليلة القدر فيها ، ولذلك قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" رواه البخاري في كتاب فضل ليلة القدر باب العمل في العشر الأواخر ، ومسلم في كتاب الاعتكاف باب الاجتهاد في العشر الأواخر.
وشد المئزر إما أن يراد به هجران النساء ، أو يراد به الجد والتشمير في العمل ، وعلى كلا التفسيرين فهو دال على المطلوب.
وقد سن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاة التراويح على النحو المعروف الآن ، حيث يصلي الناس بإمام واحد ، وكانوا قبل ذلك يصلون أوزاعا متفرقين فجمعهم على أبي بن كعب رضي الله عنه، فمر عليهم ليلة وهم يصلون فقال: "نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" ، وهي بدعة لغوية لا شرعية ، لثبوت ذلك عن النبي .فرمضان شهر القرآن.
وثالث هذه المعاني التي دلت عليها النصوص: خيرية الصيام:{وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون}(سورة البقرة: 184).
فهو خير لنا عند الله يوم القيامة وأعظم أجرا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في صحيح البخاري: «قال الله كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به»، ويقول: «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه» - رواه البخاري ومسلم.
ويقول: «إن في الجنة باب يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال أين الصائمون فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد».
فهذه الأحاديث كلها تدل على الفضل العظيم الذي ادخره الله للصائمين. وفي الصحيحين أن النبي قال: «من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا».
ومع أن الأظهر أن كلمة في سبيل الله إنما تعني الجهاد فقد يشمل الحديث كل من صام مخلصا محتسبا.
والصيام خير لنا في صحة أبداننا:
وقد دلت الأبحاث الطبية على أن للصيام فوائد طبية تتلخص فيما يلي:
1. تخليص البدن من شحومه المتراكمة التي تشكل عبئا ثقيلا والتي تغدو مرضا صعبا عندما تزداد ، ذلك المرض هو داء السمنة.
2. طرح الفضلات والسموم المتراكمة.
3. إتاحة الفرصة لخلايا الجسم وغدده لتقوم بوظائفها على الوجه الأكمل ، وخاصة المعدة والكبد والأمعاء.
4. إراحة الكليتين والجهاز البولي بعض الوقت من طرح الفضلات المستمــــر.
5. تخفيف وارد الدسم على الشرايين والوقاية من إصابتها بالتصلب
6. يولد الجوع في الجسم ردة فعل بعد الصيام تتجلى في الرغبة في الطعام بعد أن اعتاد الطعام بشكل ممل ، وبشعور بالنشاط والحيوية.
فالصوم -إذا أحسن الالتزام بآدابه التي سنها لنا رسول الله - يمثل أرقى أشكال المعالجة بالجوع.
وقد ثبت تأثير الصوم الجيد على الكثير من الأمراض وأهمها:
1- أمراض جهاز الهضم كما في التهاب المعدة الحاد ، حيث إن أساس المعالجة فيه هو الصيام لمدة (24) ساعة ، كما يفيد الصيام في تهيج القولون وأمراض الكبد وسوء الهضم
2- البدانة.
3- تصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم ، وخناق الصدر.
4- التهاب الكلية المزمن الحابس للصوديوم أو المسبب للوذمة.
5- الربو القصبي.
6- الاضطرابات النفسية.
ذلك ما يقرره الدكتوران: عبد الحميد دياب ، وأحمد قرقوز في كتابهما الذي نالا به شهادة الدكتوراه في الطب من جامعة دمشق تحت عنوان (مع الطب في القرآن الكريم).
ورابع هذه المعاني: يسر الصيام:
{يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}( ).
فهو يسر لأنه إنما فرض على البالغين القادرين على تحمل الجوع والعطش فلا يجب على الصبيان وإن كان تدريب الصبيان على الصيام من عمل الصحابة رضي الله عنهم.
فقد ثبت في صحيح البخاري عن الربيّع بنت معوّذ قالت: "أرسل النبي غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار من أصبح مفطرا فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم ، قالت: فكنا نصومه بعد ونصوّم صبياننا ونجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار".
وفي البخاري: باب صوم الصبيان وقال عمر رضي الله عنه لنشوان في رمضان "ويلك وصبياننا صيام" فضربه.
فهذا الصوم من باب التدريب كما يشرع تدريب الصبيان على الصلاة وأمرهم بها وهم أبناء سبع وضربهم عليها وهو أبناء عشر ، وكما يشرع الحج بهم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي سألته في الحج ، ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر" ، فكل هذا تعويد على فعـل الخير.
ولكن الصوم لا يجب على الصبيان وإنما يجب على البالغين.
والصوم يسر لأنه إنما فرض على القادرين: {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}(سورة البقرة : 185).
فيجوز الفطر بسبب مرض خاف زيادة أو تأخر برء استنادا إلى قول طبيب عارف أو تجربة، بل يجب الفطر على المريض إذا خاف على نفسه هلاكا أو شديد أذى ، كتعطيل منفعة من سمع أو بصر أو غيرهما.
ولا يجب الصوم على الحامل إذا خافت على جنينها ، ولا على المرضع التي تخاف على ولدها ولا تجد مرضعا تستأجر أو تتبرع ولا يجب الصوم على الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام ، ويطعم عن كل يوم مسكينا ، وعليه حمل ابن عباس الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}(سورة البقرة 184).
والصوم يسر لأن وقته محدد يبدأ من تبين بياض النهار من سواد الليل وينتهي عند غروب الشمس ، قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}(سورة البقرة : 187).
وقد فسر ذلك النبي بأن المراد سواد الليل وبياض النهار ونبه على خطأ عدي بن حاتم الذي كان يضع عقالين تحت وسادته أحدهما أبيض والآخر أسود ، وقد ربطت الآية الإمساك بالتبين وهو أمر يعفي الصائم من كل حرج قبل أن يتضح الفجر ، ولذلك لا يعبأ كثير من الفقهاء بالشك في هذا المجال ، وقد ربطت السنة الإمساك بالأذان الذي لا يكون إلا بعد التبين.
«إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى لا ينادى حتى يقال له أصبحت أصبحت».
وانسجاما مع هذا استحب السحور ، واستحب تأخير السحور، روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تسحروا فإن في السحور بركة». وفي صحيح مسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر».
وكذلك استحب تعجيل الإفطار ، ففي البخاري: «إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم».
ومن هنا كان النهي عن الوصال الذي معناه صيام الليل مع النهار، وإن كان النبي كان يواصل لأن الله يطعمه ويسقيه.
فكل ذلك من يسر الصيام {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}(سورة اليقرة: 185)
والصوم يسر لأنه لا يجب إلا على المقيم ، أما المسافر -"والسفر قطعة من العذاب" كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم- فلا يجب عليه الصوم {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر}(سورة البقرة:184). ويشترط المالكية في السفر أن يكون مسافة أربعة بُرد ، وقد ذهب بعض السلف إلى القصر والفطر في طويل السفر وقصيره اعتمادا على إطلاق الآية واستدلالا بقصر أهل مكة مع النبي بعرفة ومزدلفة.
وقد أجاز أحمد بن حنبل وإسحاق الفطر لمن سافر أثناء النهار خلافا للجمهور.
وخامس هذه المعاني:هو فضل الدعاء في هذا الشهر.
وفي القرآن إيحاء واضح بذلك حيث جاءت هذه الآية بين الآيات المتعلقة بأحكام الصيام قال الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشــدون}(سورة البقرة:186).
وفي السنن: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم يرفعها الله تعالى فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب تبارك وتعالى: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» -رواه الترمذي في الدعوات ، وابن ماجه في الصوم وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما بلفظ "حتى يفطر".
فلنكثر من الدعاء في هذا الشهر المبارك ، فالدعاء هو العبادة ، ولنحذر من الاعتداء في الدعاء ، يقول تعالى {ادعوا ربكم تضرعا وخُفيَة إنه لا يحب المعتدين}(سورة الأعراف :55) .
وأفضل الأدعية وأجمعها لخصال الخير الأدعية القرآنية والأدعية النبوية ، وهي في حد ذاتها دروس توجيهية تعلمنا ما يحبه الله ويرضاه ، وما لا يحبه ولا يرضاه ، فنحرص على الأول ونحذر الثاني.
"اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعوة لا يستجاب لها"

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.