يوم في محكمة ولاية نواكشوط الجنوبية...

جمعة, 08/25/2017 - 12:37

 

صورة من المحكمة..

الحوادث - كان اليوم الخميس 24/08/2017  والمكان محكمة ولاية نواكشوط الجنوبية حيث الجو حار داخل قاعة المحكمة التي غصت بالحضور في انتظار أن يدخل القاضي وبدأ المحكمة.

في الخارج الشمس تحجبها غيوم التي تسبح في الفضاء الشاسع لتحجب أشعة الشمس الدافئة التي تؤذي المتجمهرين أمام بناية المحكمة كلما سنحت بذلك الغيوم التي تضايقها.

على باب دخول المحكمة يقف حارس مدنيا من حرس الشركات عسكري سابق يراقب حركة الداخل والخارج.. وعلى يمينه مكتب للإرشاد وخدمات المحكمة تابع للنيابة العامة يقوم عليه احمدفال تساعده كاتبة في تسهيل الخدمة لأصحاب الحوائج مثل شهادات البراءة عدلية .

وعلى يمين المكتب غرفة لحجز المستخرجين من السجن لمحاكمتهم.. وعلى وتلتصق بالحجز قاعة يقابل بابها باب دخول البناية، الذي على يساره سلم يرط الطابق الأرضي بالطوابق العليا من العمارة المكونة من ثلاثة طوابق، وبالقرب من السلم دورة مياه عمومية.

في الطابق الثاني من العمارة مكاتب النيابة العامة  في المحكمة، وفي الطابق الثالث مكاتب الدواوين، وبالطابق الأخير مكاتب رئيس المحكمة ومعاونيه من كتاب ومستشارين .

في الأسفل كانت ضوضاء وضجيج حيث يختلف المارة مابين القاعة ومكتب الإرشاد، وحركة الشرطة  التي تنظم سير الحركة في الباحة الضيقة، وحركة المدنيين الذي انتظموا على المقاعد في قاعة المحكمة،..أحضر السجناء من قبل فرقة من الشرطة  وتم حجزهم في الغرفة المخصصة لذلك، ولم يبق غير نزول رئيس المحكم رفقة طاقمه لتبدأ المحاكمة.

في المحكمة

كانت الساعة الحادية عشرة إلا قليلا عندما دخل عناصر من  الشرطة القاعة في حركة سريعة وهم ينبهون الحضور للاستعداد لاستقبال القاضي.. ودوى صوت عالي للإشعار بدخول القاضي  الذي دخل فجأة رفقة كاتب ضبط ووكيل الجمهورية.. وقف الجميع غير نسوة في المقاعد الخلفية من طابور النساء – لم يستحسن ذلك فطلب منهم القاضي الوقوف احتراما وإجلال لمكانة القاضي والقضاء- وهو يقف على مقعده في وسط بين الكاتب على يساره ووكيل الجمهورية بيمينه في انتظار أن يجلس القاضي -الذي أمر  قبل أن يجلس -الشرطة بإخلاء مكان خاص للمحامين من المقاعد الأمامية في جناح النساء.

جلس القاضي وأوعز لمن في القاعة بالجلوس، ولم يبق واقفا غير عناصر الشرطة الذين تجمعوا في زاوية على الجانب الأيمن من المنصة المرتفعة على طول أقدام المخصصة لطاقم المحكمة من قاضي وكيل الجمهورية ممثل النيابة ومن معهم من المساعدين .. كانت الشرطة على استعداد لتنفيذ أوامر القاضي الذي قرب منه كوما من الملفات وفتح أول فلف ثم نادى على المتهم فيه ليمثل أمامه.

المثول أمام..

قصص مختلفة..

خلافات زوجة .. تقود إلى الإعتداء

كان جميع الملفات التي نشرتها القاضي تشتمل على ألوان من التهمة طابعها العام قضايا تتمحور في خلافات بين زوج وزوجته تحولت إلى صدام عنيفة تعرض فيه البعض منهم للضرر البالغ، أو الخفيف..مثل ما وقع بين باب كوليبالي وزوجته حيث اتضح من خلال العرض في مثول الزوج والزوجة أنهما كانا زوجين ولديهما طفلين، أثارت المشاكل بينهما زواجه ابن كولي بالي من سيدة أخرى وحاول أن يجمعها بينها والأولى الأمر الذي رفضته الأولى، واضطرت لرفع الموضوع إلى القاضي للطلاق منه، حتى أنها من أجل أن يتركها تركت له الأطفال.. وفي مساء وبينما كانت الزوجة في زيارة لصديقة لها تسكن في حي الترحيل قرب سكن زوجة زوجها الثانية دخل عليها الزوج في منزل صديقتها وأثار معها عراك عندما رفضت أن تتركه يتطلع على هاتفها، وخلال هذا العراك تعرضت الزوجة للكسر في الرجل.

كان تدخل القاضي لتسوية القضية بين الزوجين رقيقا عاطفيا، فقد كان يعزف على وتر العلاقة التي خلقها الأطفال بينهما والتي تعد بنيانا قويا تذوب عليه كل المشاكل.. لكن الزوجة كانت تستعر في داخلها أمواج من الغضب عاصفة بسبب حنقها على الزوج.. واستعان القاضي بعم الزوجة وأخيها لتأثير على الزوجة  لتقبل لاعتذار من زوجها  الذي صرح أمامه بشهادة الجمهور أنه طلقها، ومستعد لتلبية مطالبها.. وأصرت الزوجة على أن لا تقبل غير 700 ألف تعويضا عن الأضرار التي لحقتها منه، مع التعهد بأن يتركها نهائيا وأن يعترض طريقها.

كما شكل بعض الملفات شكلا آخر من أشكال الخلافات العائلية يقود أحيانا إلى التوتر الذي يدفع في الكثير من الأحيان  إلى أن يغترف صاحبه الجريمة من غير إرادته حسب ما فسره القاضي الذي كان يحلل ويفسر للأطراف الماثلة أمامه بخطاب سلس يمس عقل وفكر كل منهما نتيجة مثل هذه القضايا وانعكاسها السلبي على البنية الاجتماعية.

ويمثل أمام القاضي شاب يدعى محمد الأمين ولد محمود يعمل سائق عربة حمار يقطن في حي "ملح" متزوج بأخت الضحية.. وحسب ما جاء في مثول المتهم أن سبب الشجار معزاة أخ الزوجته اعتدت على طعام حماره، فأذكى ذلك شجارا عنيفا بين الاثنين، فعمد المتهم إلى الاعتداء على أخ زوجته بسكين تركت فيه أثر جروح بالغة في ظهره وكتفه. ورغم تدخل القاضي لرأب الصدع بين المتهم والضحية، وما بذله أقارب الضحية من أجل أن يستتب السلام بينه وزوج أخته.. رفض الأخير(الضحية) واختار السجن في النهاية.. كان القاضي يلطف الجو بين الاثنين بالسخرية من سبب شجارهما .. فينفجر الجمهور من الضحك..

لص مواشي..

ودخل رجل في المتوسط من العمر طويل القامة يرتدي دراعة خضراء تتدلى شعيرات تشكل كتلة على ذقن لحيته حليق الرأس، ويقف بالوسط  قبالة القاضي..يدعى أحمد ولد بلال ولد ابراهيم.. من أصحاب السوابق حسب ما كشف عنه القاضي في تقديمه في مذكرة سوابقه أنه سبق وأن سجن في حبس ألاك بولاية لبراكنه 2012، بتهمة سرقة المواشي، كما سجن بحبس لكوارب سنة 2015 بنفس التهمة.

وهذه المرة حسب ما صرح المتهم في مثوله تم ضبطه في ضواحي "لكوارب" وبحوزته قطيع كان قد سرقه على منم في ولاية لبراكنة، باع البعض منه وذبح منه شاة.. وفي المثول استدعي الضحية الذي كشف في مثوله أن  عدد القطيع الذي سرقه المتهم كان 35 نعجة، فقدت منها 11 نعجة وضبط الباقي بحوزة المتهم.. واتضح من خلال أسئلة القاضي أن الشرطة استعادت العدد الذي باعه المتهم، ولم يبق في عددا المفقود من القطيع غير ثلاثة نعاج.كان المتهم صريحا في الجواب على أسئلة القاضي كان يقدم على كل سؤال يوجهه للمتهم دليلا  لا يترك له ثغرة للنكران.

متهمين في  قضايا مخدرات

وتابع القاضي استدعاء المتهمين للمثول والمحاكمة، فكان من ضمن الملفات التي تلت ملف لص المواشي، ملف يشمل متهمين في قضايا مخدرات، وكان هؤلاء المتهمين شبابا في مقتبل العمر بعضهم اقتادته الحرس خلال دوريات ليلية وبحوته رزم من مخدر حشيش مثلك محمد ولد الشيخ ولد إسلم ولد اتقانه الذي استدرجه القاضي في مثوله إلى أنه من أصحاب السوابق، وخرج حديثا من حبس ألاك بسبب المخدرات.

ولكن المتهم رفض أن يكون ما تم ضبطه في التاكسي تابع له، رغم أنه اعترف بأن حياته فسدت بسبب المخدرات، وكان قد صمم على هجرها، وحمل المتهم الحرس الذي ضبطوه بينما كان في طريقه من مقاطعة الرياض إلى منزل أسرته في عرفات مسؤولية ادراجه في جريمة لم يرتكبها.

معرفة القاضي للمتهم وما تؤكده سوابقه التي اعترف بها جعلت القاضي يقدم نصائح للشاب يطالبه  فيها وغيره من الشباب بالإقلاع عن المخدرات، لأنها هي السبب في فساد عقولهم، وطلب من ذويهم في القاعة بمساعدة أبناءهم المدمنين في الخروج حالة الإدمان التي يعيشونها وذلك بمتابعتهم صحيا ومراقبتهم من الإدمان عليها.

ثم تبع ذلك عرض ملفا آخر لمتهم في قضية مخدرات تتبع القاضي مع المتهم فيه نفس الأسلوب مع الأول، باستدراجه بالمعلومات التي لديه عن سوابقه وعلاقته بالإدمان، ويدعى الداه ولد صمب فال.

قضايا نصب واحتيال وتزوير

عبد الله ولد الشيخ سيدي إمام مسجد وشيخ محظرة

ظهر رجل قصير القامة ملتحي يدعى عبد الله ولد الشيخ سيدي من مواليد 1974 إمام مسجد وشيخ محظرة متهم بالنصب والاحتيال.

وقف المتهم الذي أندهش الجمهور من إقدامه على ما أقدم عليه وهو الإمام شيخ المحظرة حسب دعواه.

عرض القاضي التهمة الموجهة إلى المتهم، فكانت احتيال وتزوير أوراق.. المتهم رهن لأحد رجال الأعمال منزل رخصة المنزل يقطنه الذي يقطنه مقابل 20 طن من السكر، وعند ما تجاوزت المهملة المحددة للرهن قام رجل الأعمال بيع المنزل المرهون بالمبلغ الذي ارتهنه المتهم به وهو خمس ملايين ومائة ألف أوقية.لكن تبين من خلال البحث في رخصة المنزل أن المتهم زور الرخصة، وأن المتهم لا علاقة له بملكية المنزل. وتم رفع الموضوع للقضاء حيث تم توقيف المتهم الذي يتحجج بأنه لم يكن على علم بما جرى، وأنه كان قد سلم لرجل الأعمال رخصة تحمل رقم قطعة خالية.

وكان لضمير القاضي الحي دور كبير في تجاوز العنصر الجزائي في القضية وقبوله تدخل ذوي المتهم لتسوية الموضوع مع الضحايا.

سيدي احمد ولد تابلنكُ.. تاجر في العقارات

ثم تبع ذلك عرض ملف ظهر فيه شاب يتقاطع مع المتهم السابق في الشكل يدعى سيد أحمد ولد سيدي ولد تابلنكُ، متهم هو الآخر في قضايا نصب واحتيال وتزوير أوراق إدارية.. ظهر من خلال عرض الملف أن المتهم كان قد احتال على الكثير من الأسر ببيعه إياهم قطعا أرضية غير موجودة على ارض الواقع وبأوراق مزورة. ومن ضمن ضحايا المتهم :

باري مختار امبودج (صحفي) يعمل بنواذيبو دفع له مبلغ 400.000 أوقية ثمنا لقطعة أرضية. كما وقعت أخت الصحفي في مصيدة المحتال عن طريق سمساره(موسى) حيث أرسلت عبر أخيها مبلغ 600.000 أوقية.

كما كانت رامة الله ابراهيم، وعلي ولد أحمدو، وفطمة منت محمدو، من بين ضحاياه، لكنه قام عبر أعوان له تسوية الموضوع معهم، بالتعويض لهم.

القاضي بذاكرته القوية كشف للمتهم عن سوابقه، من خلال مذكرة حبسه سنة نافذة وبنفس التهمة التي يمثل فيها اليوم.. وذكره بموقفه المتسامح معه حيث تجاوز عنه بحبسه سنة نافذة والتعويض للضحايا في تلك القضية.

كان المتهم ذرب اللسان كثير يتحجج بالأباطيل ويكيل للضحايا التهم بعلاقاتهم الواسعة ودورهم الكبير تعميق ونشر شبكات التزوير والتحايل، والكميات الكبيرة التي يملكونها من القطع الأرضية والتي تتشكل في مساحات كبير بمختلف أطراف العاصمة وداخلها.. وكان من ضمن الذين يشير إليهم المتهم أنهم من ضمن الشبكات التي تملك عداد كبير من القطع الأرضية المهندس أحمد عبداو اجاه الذي يقول المتهم أن بحيازته أكثر من ثلاثة عشر ألف قطعة أرضية.. وكان الشخص الذي ذكره المتهم من بين الاشخاص الذين يتهمون المتهم بتزوير رخص أرضية على اسمه، وحضر رفقة محاميه لينبه على ذلك.

محامي المتهم توتر بسبب اقتراح القاضي بأن يترك المتهم يروي وقائع النصب والاحتيار والتزوير التي كان يقوم بها على ضحايا، حيث كان المحامي يتدخل أثناء الاستماع للمتهم لينبهه.. وهو الأمر الذي رفضه القاضي بتنبيه المحامي أن يترك المتهم، وخرج المحامي بعد أن صاح في وجه القاضي بغضب وتوتر.. إلى جانب الضحايا كان يقف محامي جاء بمذكرة دفاع طويلة عن موكليه الذين وصف بأنهم سقطوا في شراك المتهم من خلال تدخل موسي الذي نبه على أنه كان عليه أن يكون من بين الماثلين لأنه عنصر مهم في القضية..كما أضاف أن المتهم لم يقتصر عمله الإجرامي على النصب والاحتيال فقض فهو عنصر فاعل في شبكة لتزوير الأوراق .

قضايا أخلاقية

ددا ببكر باه.. تدير شبكة لممارسة البغاء  

بعد هذه القضية التي شهدت تجاذبا ساخنا بين المتهم ومحامي الأطراف المدنية.. طلب القاضي مثول المتهمين في الملف الموالي حيث مثلت مجموعة من ثلاث نسوة ورجل، اتضح من العرض أنها شبكة لممارسة الدعارة والبغاء.

كانت الشبكة تتكون من : دادا باه من مواليد 1966 بدار البركة، صاحبة سوابق في الوساطة لممارسة البغاء والزنا.. وعيشة ادور جو، وميمونه ببكر جو، ومواطن مالي يدعى ابراهيم كلوبالي ضبط من بين من ضبط في المنزل الذي تديره مدير الوكر عيشة.

عرض القاضي التهمة.. وكشفت مديرة الوكر التي تقدمت في العمر وهي تمثل إلى جانب بقية العنصر أمام القاضي بقامتها القصير، وتدثر رأسها بشال أحمر وترتدي قطع من القماش السوداني ألوانه مابين الأخضر الغامق والأسود.. بصعوبة حاولت وراءها التستر على بعض الملابسات في الوقائع.. لكن القاضي كان ينبهها من خلال المعلومات التي بحوزته عنها، فتعود لتصحيح ما كانت تحاول إخفاءه أو حكت بالكذب.

قضايا سطو وغصب

عبد الله ولد عالي ..و القاسم ولدلمام

وبعد ذلك طلب مثل الملف الموالي وظهر طفلين ومن خلال عرض القاضي تبين انهما متهمين بجريمة سطو وغصب على شاب قاما بالاعتداء عليه بسكن وجره وأخذ مبلغ 270.000 أوقية حسب دعواه.

لم ينكر المتهمان التهمة المنسوبة إليهما، وكشف جميع تفاصيل وقائع الجريمة التي قاما بتنفيذها ضد الضحية.

ونبه القاضي المتهمين على السوابق التي لهما في المجال والتسامح الذي كان منه عليهما في الماضي..وما كان منه في اتجاههما حيث كلب منهما الابتعاد عن الجريمة .

في المحكمة عنصر مهم وجزء من الحلقات الأساسية في التحاكم، وهو القاضي وكيل الجمهورية ممثل النيابة العامة في التحاكم.. كان رجلا متوسطا يطبع على شفاهه ابتسامة دائمه.. وكانت مطالبه تتراوح ما بين القساوة واللين، يعتمد في مطالبه على مسطر القوانين التي يظهر أنه يحفظها بالجملة حيث لم تكن الاعتماد عليها يكلف الرجوع إلى الكتاب الأحمر.  

رفع القاضي الجلسة في وقت متأخر من النهار.. ووعد الحضور بالعدة للنطق بعد المداولات.. وترك القاعة في اتجاه مكتبه بالطابق الأعلى من بناية المحككمة

لحظات صعبة.. اغتنمها البعض فرصة..

عاش المتهمون في الحجز وذويهم الذين يترددون بين القاعة والشارع في انتظار عودة القاضي من المداولات لحظات صعبة.. استغل بعض ذوي المتهمين الفرصة للقاء بالضحايا ومحاولة تسوية الأمور الخاصة بحقوقهم وتعويضهم لعل ذلك يشفع لدى القاضي ليفرج عن أبنائهم.

فاستغل قريب المتهم- الامام وشيخ المحظرة- الفرصة فالتقى بمحامي الطرف حيث درس معه السبل الكفيلة التي تضمن له الحصول على حقه، وبذلك يخفف القاضي عن المتهم ويخلى سبيله.

كما التقى أصحاب باب كولي بالي  ب (لاله) زوجة المتهم المتضررة من كسر رجلها لاسترضائها لسمح لزوجها حتى لا تقوده للسجن.

في زحمة حركة المختلفين في الطابق الأرضي..كان الجو يزداد سخونة، خاصة في غرفة الحجز التي ينتظر فيها أكثر من عشرين متهما مصريهم الذي من المقرر أن يفرج عنه القاضي الذي ينتظر قدومه بين الحين والحين.. كانت عقارب الساعة تقترب من الخامسة مساء عندما انتفض عناصر الشرطة من المواقع التي كانوا يسترحون فيها، وطلبوا من الجميع الجلوس في القاعة في انتظار قدوم القاضي.

وعم القاعة وجوم وصمت قطعه صوت المعلن عن قدوم القاضي الذي دخل رفقع كاتبه ووكيل الجمهورية يتبعهم مساعدون.

وبعد استواء القاضي في جلسته وعودة الجمهور إلى مقاعده من تحية القاضي.. طلب القاضي من الأمن إحضار جميع المتهمين ليعرض عليهم الأحكام التي صدرت في حقهم..ازداد الصمت في القاعة.. وفتح القاضي كوم الملفات وأعلن عن نتائج الأحكام التي أصدر بالتوالي .

أحكام متباينة..يغلب عليها اللين

لم يقس القاضي على عادته فقد كان جل الأحكام تتراوح مابين حبس سنة موقوفة وأخرى نافذة وستة أشهر نافذة..وكان يشرح لكل متهم قبل إن يعرض عليه الحكم الصادر ضده الأسباب التي جعلته يتخذ الحكم مع تقديم نصائح وإنذار شديد اللهجة ووعيد بأقسى حكم إذا عاد إليه..  

حكم القاضي بالسجن أربع سنوات نافذة  في ملفين الأول منهما في ملف يشمل سيدي أحمد ولد سيدي ولد تابلنكُ المتهم بالنصب والاحتيال والتزوير.. وشرح القاضي الأسباب التي كان من ضمنها أن القاضي كان قد تعامل مع المدان في ملف سابق بالتسامح الامر الذي لم يجد معه فقرر إدانته بالعقوبة بسبب التكرار.

الحكم الثاني بسجن أربع سنوات نافذة على داد ببكر باه المتهمة بإدارة مركز للبغاء.. وشرح أيضا الأسباب حيث كان من ضمنها أن المدان نصحها في أكثر من مرة ولم تستجب الأمر الذي دفعه للحكم عليها بالحكم القاسي. 

حكم القاضي بالسجن النافذ سنة على قاصرين متهمين بالسطو والغصب.. وبرر القاضي بأنه حكم عليهما لأنه كان قد نصحهما في مثل سابق أمامه في تهمة مماثلة وطلب من ذويهم الاعتناء بهم.. ولأنهم لم يمتثلوا وأسرهم لم يعملوا بما طلب منهم حكم على القاصرين بالعقوبة التي وقع ضدهما.

وأثناء نطق القاضي بالحكم على القاصرين سقطت والدة أحدهما من جلستها في القاعة حيث تجمهر عليها الجمهور.. وانصر القاضي وطاقم المحكمة.

وختمت المحكمة يومها بتلك الكمية من الملفات التي عرضت وحاكت المتهمين فيها ووقعت بحقهم ما رأت أنه مناسب في حقهم من العقوبات.

على هامش المحكمة

كان من بين الأشياء الملاحظ في المحكمة هو عدم تجاوب القاضي مع الأشياء التافه التي يتعامل معها غيره من القضاة في المحاكم الأخرى..مثل رنين الهواتف.. فرغم أن القاضي نبه على غلق الهواتف أو جعلها في خدمة الصامت، لم يعاقب ولم يشعر الذين رنت هو تفهم داخل القاعة أنه تنبه غليهم رغم أن أصوات الرنين كانت عالية.

كان القاضي يعطي للمحامي والمتهم الوقت الكافي لشرح ما لديه من دفاع حتى لا يحس بأن مقيد عن الدفاع وشرح ما لديه .. وبالمقابل كان القاضي يستدرج بذكاء وبمعلومات وفيرة المتهم حتى يقر من حيث لا يدري بالوقائع المنسوبة غليه.