انتشار "الكزرات" وحظوظ  تجارة الخشب..

ثلاثاء, 12/12/2017 - 23:33

 

الحوادث- شهدت تجارة الخشب في فترة عقود السبعينات والثمانينات وحتى عقد التسعينات  رواجا كبيرا بفضل  إقبال  سكان الأرياف على المدينة، حيث لم يجد الريفي بديلا من الأحياء العشوائية في انتظار الحصول على قطع أرضية في ظل مماطلة الدولة.

 وبعد التأهيل الذي شهدته العاصمة والذي استهدف  أحياء الميناء والسبخة  في حكمي ولد داداه وولد هيداله والذي حصل فيه المحظوظون على مساحة كبيرة، عاشت العاصمة فترة طويلة من الإهمال شهدت فيها كثافة سكانية كبيرة، فشكلت الأحياء العشوائية أسورة قاتمة   تحيط بالمدينة، فازدهرت  تجارة الخشب بازدياد الطلب عليه.

ثم كان تأهيل ولد الطائع للأحياء العشوائية التي انتشرت في الميناء والسبخة والتي عرفت ب"كبة سيزيم، وكبة سينكيم" "وتم ترحيل جزء كبير من الأحياء التي تم تأهيلها إلى جنوب نواكشوط  وتشكلت منهم المقاطعة التي أصبحت تعرف بالرياض، ثم تأهيل السبخة وترحيل الجزء الكبير الم|أهلين إلى عرفاتـ، ويمثل هاؤلاء حي "أهل محمد سالم"و" أحياء مسجد النور"، وترحيل  دار النعيم في أحياء "لغريكه" حاليا.

فشل الدولة في ضبط السكن العشوائي..ساهم في حركة تجارة الخشب

كان هدف الدولة من التأهيل القضاء على الأحياء العشوائية، ورغم الجهود الحثيثة التي بذلتها وقفت عاجزة بسبب الهجرات العشوائية للمواطنين من الريف إلى المدينة، فكان من نتائج عجزت الدولة عن السيطرة على وقف  السكن العشوائي فوضوية السكن التي شهدتها العاصمة خاصة مع ما أصبح يعرف ب"الكزرة".

 بعد تأهيل بعض أحياء "الكبة"برزت ظاهرة "الكزرات" والتي بدأت "عرفات"و"كرفور" ونهضت الدولة بكل أجهزتها للوقوف في وجهها، لكنها وجدت نفسها عاجزة عن صد الناس عنها فتركت "للكزارة " الحبل على الغارب، وكان ما كان من مظاهر الإستطان العشوائي الذي ما تزال العاصمة تعيشه وحتى اليوم.

وقد عرفت خلال الحركة الهستيرية على "الكزرة" تجارة الخشب انتعاشا، فشكل إقبال الناس على "الكزرات" نواة لأسواق جدية للخشب المستعمل أكثر من ذي قبل، فكانت تجارة الأخشاب المستعملة التي يجمعها تجارها من أصحابها الذين أستغنوا عنها بعد حصولهم على قطع أرضية واستبدالهم أكواخ الخشب ببيوت الأسمنت مصدر رزق على الكثير من اليد العاطلة.

 

الخشب قبل الموردين..؟

كان مصدر الخشب قبل أن يظهر في السوق موردون للأخشاب الميناء.. فقد كان تجار الأخشاب يجمعون بضاعتهم من الأخشاب التي  تعلب فيها السلع المستوردة، وهذه القطع التي يحصلون عليها يبيعونها حسب فائدتها، ولذلك لم يكن للأخشاب سعر محدد متعارف عليه بين التجار، فكان الزبناء يشترون حاجتهم  حسب ما يتفقون عليه مع البائع.

ومع تقدم الزمن ووعي التجار ثقافة الاستراد أصبح  للخشب موردين من مالي وغيرها من الدول الإفريقية التي لديها غابات الأخشاب.

لكن الأسواق الجديدة للخشب المستورد لم تقطع دابر تجارة الأخشاب المستعملة، بل انتعشت في ظلها كثيرا، وذلك بتوفر الأخشاب لدى المواطن من المردين وبيعها عند الحاجة في أسواق الأخشاب المستعملة.

الحاضر والماضي.. والتشابه المقيت

واليوم وفي ظل ما تشهده العاصمة من سباق نحو الإعمار، لا يزال سوق الأخشاب المستعملة يشهد حركة وانتعاشا متزايدا بسبب الإقبال على .الكزرات" رغم الجهود التي بذلها ولد عبد العزيز بهدف القضاء عليها من تأهيل لأحياء عشوائية كان القضاء عليها مثار جدل لتعقده.. فما إن قضت الدولة على "كزرات" عرفات وتوجونين ودار النعيم بتأهيلها، حتى ظهرت "كزرات" أخرى أكثر تعقيدا في فضاءات مملوكة لمواطنين، فشكلت هذه الأحياء العشوائية الجديدة"الكزرات" وجها من وجوه الماضي المقيت و عاملا مساعدا في انتعاش تجارة الخشب المستعمل.

فنشأت بالإضافة إلى سوق الميناء للخشب المعروفة بين العامية ب"مرصة إجلف" سوقا آخر اتسع هو الآخر وصار يشكل مصدرا من مصادر الخشب المستعمل ، وهذا السوق هو سوق وقفة الحافلة والمعروف شعبيا ب" مرصة البيس لجلف"هذه الأسواق  القديم منها والحديث يشهد فيه الخشب رواجا كبيرا بفضل الإقبال عليه، و الاستقطاب بفضل الرواج  يجعل الأسواق مصدرا لامتصاص الكثير من اليد العاملة، حيث يوجد في الأسواق إضافة إلى ملاك المحلات مساعدين لهم في البيع وحرفي النجارة  والحمالة.

شهادات حية

يقع سوق الميناء للخشب المعروف بسوق"مرصة اجلف"في الناحية الجنوبية من المقاطعة –الميناء- على مقطع الشارع الممتد السوق ويمر على المدرسة رقم 10 نحو ملتقى المعرض،ويحجز هذا السوق مساحة كبيرة من الشارع وأحوازه، ويجمع بالإضافة إلى المحلات حيطان تحتضن ورشات لمعالجة الأخشاب وصناعة الأكواخ  والأعرشة الجاهزة .....

عبد الله في الخمسين من العمر يعيل على أسرة من خمسة أبناء وزوجة وأم وأخوات لا معيل عليهن غيره، يسكن في حي من أحياء الترحيل بالرياض، يعمل في مجال بيع الخشب المستعمل منذ أكثر من ثلاثين سنة، بدأ في التجارة بالأخشاب عندما كان يعمل في النجارة حيث كان يشترى ما يبقى من الخشب عن عمله  من زبنائه ويجمعه في منزله ويبيعه لمن يحتاجه، وبذلك جمع بين العمل في النجارة وبيع الأخشاب المستعملة، ثم فضل بعد فترة أن يفتح محلا للنجارة وبيع الخشب المستعمل.. ففتح محلا في حي عشوائي"كزرة" في عرفات، وانتعش محله وصار وجهة لمن يطلب الأخشاب وعمل النجارة، ثم أخذ قريبا له يساعده ويعلمه حرفة النجارة، وعندما برز مساعده في فن النجارة تطور المحل فأضاف إلى عمل معالجة الخشب صناعة الأسرة المحلية والأقفاص للطيور .

ثم  أجر محلا في سوق الخشب بالميناء" مرصة اجلف" .. يقول عبد الله: أسواق الخشب تشهد انتعاشا في فترة الإقبال على الكروات، فيرتفع سكر الخشب والأكواخ الجاهزة والأعرشة.. وفي الفترات الأخرى تتراجع حركة السوق لأن الزبناء يقتصرون حوائجهم على الضروريات التي لا تعود بالربح.

عثمان في الثلاثين من العمر يعيل على أسرة من خمسة أفراد ويقطن في حي عشوائي يعرف ب"كزرة الشباب" ب"ملح" مقاطعة توجونين، يعمل هذا الشاب في السوق نجارا منذ أكثر من ثمان سنوات، ويحصل من عمله فيه على مصروف يعيل به على أسرته التي من ضمنها والدة مريضة بالقلب وتعالج بوصفات لا يمكن أن تنقطع- الوالدة- عن تناولها وإلا تعرض لنوبة.

يقول الشاب: دخلت حرفة النجارة عبر والدي الذي كان نجارا قبل أن يغيبه الموت ، وهذا السوق يوفر لنا نحن النجارين العمل الدائم، وذلك من خلال صناعة الأكواخ الجاهزة لأصحاب المحلات الذين يتاجرون في الخشب المستعمل، حيث يبيعونها جاهزة، كما يبيعون الأعرشة، ونصنع لهم كل المجسمات التي يحتاجها الزبون مثل الأقفاص التي يشترونها الزبناء لاحتضان الدجاج والحمام، وكثيرة هي الأعمال التي ننجزها هنا من  الأخشاب والتي تباع وتعود بالربح الوفير على أصحابها.

الخاتمة

وبالإضافة إلى ما يوفره الخشب المستعمل للمحتاج الذي لا يملك البديل من تأمين مرفق يأويه وحتى بارقة أمل بالفرج ..يبقي سوق الخشب فرصة لامتصاص نسبة ولو قليلة من البطالة المنتشرة.