الإمتحانات..من لحظة تقييم إلي تجربة وجودية تشكل الذات وتعيد انتاج الإنسان المنضبط

ثلاثاء, 07/08/2025 - 21:52

 

مع حلول مواسم الامتحانات، تشهد الشوارع المحيطة بالمؤسسات التعليمية في نواكشوط مشاهد مألوفة تتكرر كل عام: إغلاق بعض الطرقات، انتشار عناصر الأمن، وتجمهر الأهالي خلف أسوار المدارس في انتظار خروج أبنائهم. مشهد بات طقسًا اجتماعيًا محمّلًا بالقلق والتوتر، حيث يتحوّل الامتحان من مجرد لحظة مدرسية مؤقتة إلى تجربة وجودية تمسّ الكيان النفسي والاجتماعي للفرد.

ففي الوقت الذي تُقدَّم فيه الامتحانات كوسيلة لقياس المعرفة والتحصيل، يُظهر الواقع أنها أداة فرز وتصنيف رمزي تُشكّل من خلالها المدرسة تصوّرات عن الذكاء والنجاح والفشل، وتُرسّخ أنظمة تربوية صارمة تقوم على مراقبة الذات والانضباط. هذا ما يشبّهه البعض بنموذج "البانوبتيكون"، وهو نظام رقابة دائمة غير مرئية يجعل الفرد يُعدّل سلوكه ذاتيًا خشية المحاسبة، حتى في غياب سلطة مباشرة.

ويرى مهتمون بالشأن التربوي أن الامتحانات تُمارس نوعًا من الضغط الرمزي والاجتماعي على التلاميذ، حيث يتم اختزالهم إلى درجات وأرقام، ويُحوّل الجهل بمعلومة عابرة إلى وصمة تمسّ القيمة الذاتية. فيُربّى الطفل على قناعة بأنه "فاشل" لا لأنه لم يفهم درسًا، بل لأنه لم يتطابق مع مسطرة تقييمية جامدة لا تعترف بتنوع القدرات ولا بفروقات الذكاء.

ويُنتج هذا النظام، بحسب تحليلات تربوية حديثة، أنماطًا من التصنيف الاجتماعي مثل "الذكي" و"الكسول"، أو "الطبيعي" و"الشاذ"، وهي تصنيفات تُشكّل مع الوقت أساسًا لتراتبية مجتمعية تُقصي من لا يتوافق مع معاييرها.

وفي ظل هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى وعي مجتمعي بدور الامتحانات كأداة تقييم معلومات، لا كمعيار لقيمة الإنسان. فالخطأ لا يجب أن يُفسّر كعجز، والفشل لا ينبغي أن يُختزل إلى سِمة وجودية. بل يجب إعادة النظر في المنظومة برمّتها، وتكريس خطاب يُرسّخ في أذهان النشء أن قيمتهم لا تُختزل في ورقة امتحان.

إنها دعوة لإعادة التفكير في المنظومة التربوية، ولتبني مقاربة إنسانية وشاملة في تقييم المتعلمين، تحفظ كرامتهم النفسية، وتُعزز ثقتهم في قدراتهم، بعيدًا عن ثقافة الخوف والتصنيف المسبق.