قصة مولود دهموش...بقلم حبيب الله احظد

أحد, 04/24/2022 - 00:25

                                                                                                                 

لم أتجاوز الصدمة حتى الآن ،ولا أعرف ماذا ساكتب ولا من اين ابدأ 
فقيل ساعات ابلغنى اخى وصديقي الإعلامي المقيم فى امريكا الداه يعقوب خبر وفاة صديقنا مولود احمدو دهموش بعد معاناة مريرة مع مرض عضال سبب له شللا كاملا على مستوى الأطراف السفلية وعاش بجهاز تصريف بول( قسطرة) مثبتة مدى حياته 
قبل سنوات تعرفت على الفقيد عبر( مسانجر ) حيث قدم لى نفسه وعرفنى على وضعيته الصحية وطلب منى زيارته فى سكنه ب(الكوفة) التابعة لحي( البصرة) الشاطئي بالعاصمة نواكشوط. 
وذكر لى إن أحد اصدقائه نصحه بالتواصل معى لاساعده بنشر معاناته عن طريق صفحتى علىfb  وباستخدام علاقاتى بالوسط الطبي والمجتمع المدني 
لم اتردد فى زيارته لتبدا بينتا صداقة حاولت من خلالها مساعدته قدر المستطاع 
وفعلا جلبت له مقعدا متحركا وسريرا طبيا ومبالغ ومساعدات عينية 
وتدخلت لدى اصدقاء لى من الاطباء والممرضين لتسهيل مجانية عملية لإحدى عينيه تكفل بها مجانا  جراح عيون فى مركز مكافحة العمى( الحي الساكن) وتكللت بالنجاح 
 وتطوع صديق لى فني تدليك طبي بجلسات تدليك مجانية استفاد منها المرحوم فى منزله 
كنت كثير الاتصال به عبر الهاتف والواتساب وكان عندما يتوجه نحو المستشفى يخبرنى فالتحق به للتكفل بفحوصاته وادويته. 
مولود رحمه الله شاب طيب متدين خلوق صبور وشجاع لم تهزمه المعاناة ولم يستسلم للياس 
قصة مرضه محزنة 
فقدكان شابا جلدا مقبلا على الحياة يمارس أعمالا مدرة للدخل احيانا يعمل  فى البحر واحيانا فى التجارة
داهمته آلام على مستوى الظهر اختلف الاطباء فى تشخيصها 
بعضهم اعتبرها اعراض( سل عظام) تستدعى علاجا مديدا ككل انواع (السل)
ولكن جراحا شهيرا للاعصاب فى مركز الاستطباب الوطني كان له راي آخر فقرر أن يخضعه لتدخل جراحي 
قدر الله وماشاء فعل 
دخل غرفة العمليات سائرا على قدميه وخرج منها مشلولا بقسطرة بول مثبتة مدى الحياة 
زار الفقيد دكار على نفقة بعض المحسنين فعاد بالكثير من الادوية والمواعيد وظلت حالته تراوح مكانها ورغم الالم البدني والنفسي ظل مولود قويا متماسكا متشبثا بالحياة 
كان مسكنه مجرد خباء من القماش( المخشب) تتقاسمه معه اخته الحنون الملازمة له والقائمة على شأنه 
خباء لا يرد بردا ولاحرا تحتله الحشرات والروائح ويفترش سبخة ملح تنخر كل دعاماته 
اذكر أننى تلقيت مرة مكالمة من شاب اربعيني يعمل فى التجارة بين موريتانيا وبعض الدول الافريقية قال لى إن لديه كرسيا متحركا وضعيته جيدة يود منحه لمولود بعد أن راى قصة معاناته على صفحتى 
ضرب لى موعدا فى( توجنين) 
عندما وصلت اخرج الكرسي فهممت بوضعه فى سيارتى فرفض قائلا إنه سيحمله على سيارته وينتهز الفرصة لزيارة مولود مباشرة 
قلت له لاباس تذهب معى فى سيارتى قال لا فانا ايضا اريد اجر تجشم عناء هذه الرحلة 
انطلق خلفى فى رحلة طويلة يومها شديد الحر والزحمة 
احتجنا ساعة ونصفا تقريبا لنصل مسكن المولود 
انزل الشاب الكرسي ثم دلفنا إلى خباء مولود 
استقبلنا ببشاشة واريحية 
حملناه ووضعناه على الكرسي ليتأكد من طريقة تشغيله 
ودفعناه به قليلا للاطمئنان على الحالة العامة لحركته 
انزلنا إلى مضجعه وكان الشاب متغير الملامح يشرق بالدموع متاثرا وهو يضع مبلغا فى جيب  مولود الذى ودعناه وهويلح علينا بالبقاء معه للشاي والضيافة ونحن نعتذر لانشغالات عمل 
قلت لصاحبى لماذا بكيت كالطفل؟
قال 
بكيت وأنا افكر كم (مولودا) عندنا قصرنا فى حقه 
بكيت وانا افكر فيك 
كيف اهتديت إلى مولود 
كيف تجلس مرتاحا إلى جانبه على ناصية سريره رغم ذباب المكان وحرارته وروائحه وعفونته 
بكيت لأن عمرى يتجاوز الاربعين قضيتها كلها تقريبا فى العاصمة ولم اتجاوز مطلقا حدود المستشفى الوطني 
كل هذه المقاطعات والشوارع عبرتها معك اليوم لأول مرة فى حياتى 
بكيت لاننى لااملك شيئا للتخفيف من معاناة صديقك مولود الذى لاحظت أنه يجلك ويحترمك ويقدر وقوفك إلى جانبه 
مولود رحمه الله لم ينج من التحايل والاستغلال 
مرة زاره مراسل محلي لقناة خليجية لإعداد برنامج خيري عساه يجد لدى الخليجيين يدا تمتد للتكفل به 
تم بث البرنامج فكانت المفاجاة أن رقم حساب زوجة معد البرنامج أو اختها ظهر على الشاشة لاستقبال التبرعات وليس حساب مولود الذى أعطاهم رقم حساب لأحد اقاربه 
وقد تاثر رحمه الله بذلك التصرف الغريب خاصة وانه لم يستلم سوى مبلغ حقير ولم يطبع على حجم التبرعات التى ذهبت إلى الحساب( الخاص) بمعد البرنامج 
اما صاحبة الجمعية التى استغلت معاناته فقد فصل قصتها معه فى بث مباشر خصصه لظلمها له ولعله على صفحته حتى الآن وفيه شهادته على تصرفاتها معه وهي شهادات مؤلمة تدمى الضمير الإنساني 
ورغم ذلك كله فهناك خيرون ظلوا اوفياء لمولود يساعدونه بالمال والغذاء والدواء منهم الفنانة المعلومة منت الميداح 
وشباب جمعية( بسمة وامل ) الذين وفروا له سيارة مخصصة لنقله متى ما رغب فى زيارة احد المستشفيات 
ومنهم جمعية (شباب الإغاثة ) فى ( الكوفة) 
ومنهم محسنون فضلوادائما ان تبقى هوياتهم مخفية ووجوههم بعيدة عن الأضواء 
لقد عايشت مولود واشهد له بالتدين وقوة التحمل 
وآخر مرة التقيته فيها قبل حوالى3اشهر تقريبا ابلغنى أنه فى الحالات المستعجلة بمركز الاستطباب الوطني فالتحقت به حيث عملنا له كشف( اسكانير) وتحاليل دم ويومها لم تكن وضعيته الصحية حرجة لذلك غادر المستشفى مساء ذلك اليوم 
اللهم اغفر لصديقى مولود احمدو دهموش وارحمه وتجاوز عنه 
( الصور من برنامج( زمام المبادرة)الذى سجلته معى قناة( الجزيرة) وخصصنا فقرة منه لزيارة الراحل مولود فى مسكنه)