على تمام الساعة الثامنة من صباح يوم الخميس الموافق 10 فبراير 2022 وقعت الكارثة : انهيار بئر في اصبيبيرات على عدد من المنقبين (8)، وقد تابع الموريتانيون يوميات تلك الكارثة التي أدت إلى وفاة سبعة منقبين، ونجاة منقب واحد تم إنقاذه الساعة الخامسة فجرا من يوم الاثنين الموافق 14 فبراير 2022 ، أي بعد مرور أربعة أيام كاملة على انهيار البئر.
لم يكن حمود عبد الكريم يعتقد خلال تلك الأيام الأربعة التي قضاها بين الحياة والموت وهو تحت أنقاض البئر المنهارة أن تلك الكارثة ستكون سببا في أن يشرفه رئيس الجمهورية بلقاء، وأن تمنحه شركة معادن عملا في إدارة للسلامة تم استحداثها بعد تلك الفاجعة.
آلاف، إن لم أقل عشرات الآلاف من العاملين في التنقيب يتمنون زيارة من رئيس الجمهورية، ووظيفة في شركة معادن، وحده الشاب حمود حصل على كل ذلك دفعة واحدة، وكان السبب المباشر في حصوله على ذلك هو المحنة التي عاشها خلال أربعة أيام، وهو بين الحياة والموت تحت أنقاض بئر منهارة!! فكم من منحة في محنة؟
في ضحى يوم السبت الموافق 30 يوليو 2022 حاصرت السيول الشاب محمد أحمد ولد محمد(شبو)، وذلك بعد أن علق على مفرجة من مفرجات سد في بومديد.
ما تعرض له شبو كان محنة حقيقية، حبست أنفاس الموريتانيين لأكثر من عشرين ساعة عصيبة، كان من أصعبها ساعات الليل الطوال التي قضاها شبو لوحده وظلمة الليل والنعاس والسيول تكاد أن تفتك به في كل لحظة.
لم يكن شبو يعتقد خلال تلك الساعات العصيبة أن محنته التي عاش في السد ستكون هي السبب المباشر في أن يحظى والداه باتصال من رئيس الجمهورية، وأن تنهال عليه هو من بعد ذلك عروض مغرية جدا من بعض البنوك وشركات الاتصال.
عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من الشباب الموريتانيين في القرى والمدن والأرياف يتمنون الحصول على اتصال من رئيس الجمهورية بذويهم، وعلى عمل متواضع في أي شركة..وحده شبو حصل على كل ذلك دون أن يخطط له أو يسعى إليه، وكان سبب حصوله على ذلك هو محنته التي عاش في سد بومديد. فكم من منحة في محنة؟
إنهما محنتان في منتهى القسوة عاشهما حمود وشبو، وقد كانت المحنتان سببا في أن ينالا شهرة كبيرة في الوطن، بل وفي خارج الوطن، كما كانت سببا في حصولهما على مصدر رزق لم يحلما به من قبل.
أسأل الله تعالى أن يديم على الشابين حمود وشبو نعمه، وأن يبعد عنهما المصائب والمحن، فقد كان في محنتيهما الكثير من الدروس والعبر.
على المستوى الشخصي فقد مرت بي أزمات ومشاكل لم أكن أعتقد أن في طياتها منحا، وإذا ما تأمل أي واحد منكم ما مضى من عمره، واستعاد ما مر به من مشاكل وأزمات فسيجد أن تلك المشاكل والأزمات لم تكن شرا مطلقا، بل كانت تحمل في طياتها بعض المنح الخفية.