ضرب من العبث الفكري والسياسي، عندما حاول البعض التشكيك مبكرا في الأهمية الوطنية والأخلاقية القصوى لقرار فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، تفعيل دور المفتشية العامة للدولة.
وضرب من "السلبية الشعبوية"، عندما يتحجج البعض اليوم (دون تبصر) بالمبالغ التي تم استرجاعها أو تلك التي يشتبه في اختلاسها، للهجوم إعلاميا على السلطة التنفيذية في البلاد. فالأمر يستحق، على العكس، التشجيع والمساندة والمباركة، من ناحية ؛ ولا أحد، داخل موريتانيا أو خارجها، يشكك في خطورة ظاهرة الفساد الإداري والمالي على مستقبل البلاد والعباد في هذا البلد، من ناحية أخرى. ولو لا هذه الجزئية الأخيرة، لما اتخذ، في اعتقادي، رئيس الجمهورية قرار تفعيل المفتشية العامة ؛ قرار شجاع من المنظور السياسي.
وضرب من التفاؤل المفرط، عندما يعتقد البعض أن معضلة كالفساد المالي والإداري في البلاد، يمكن اجتثاثها غدا بمجرد حملة تفتيش، على أهميتها ومهما كانت مهنيتها وصرامة تنفيذها ؛ فالفساد عقلية ضارة ترسخت في هذا البلد لمدة ليست بالقصيرة، ويتطلب القضاء عليها تفكيك بنية ثقافية بكاملها، توعية وإقناعا وتربية. فللمواطن دوره في هذا "الجهاد"، ولمنظمة المجتمع المدني دورها، وللحزب السياسي دوره، وللمعلم داخل فصل الدراسة دوره المحوري...
ملاحظة حسابية : طبقا للمعطيات التي أدلى بها أمس السيد المفتش العام، فإنه، بعد التحقيق في صرف 60 مليارا من ميزانية 2022، اتضح أن مبلغ 14 مليارا منها تم صرفها بطريقة خاطئة، أي نسبة 23%. ولو قمنا بعملية إسقاط بسيطة على هذه الميزانية كلها، لحصلنا على أن مبلغا قدره حوالي 230 مليارا سيروح أدراج الرياح، في هذه السنة المالية وحدها؛ ولفهمِ حجم وخطورة الفساد المالي على أمن البلاد وتنميتها ومستقبل أجيالها، يكفي ضرب هذه الخسارة الكبيرة أصلا، في عدد من السنين، 5، 10، 20، إلخ.
فأمام المفتشية العامة للدولة عمل صعب ودقيق يستحق التشجيع والمؤازرة من لدن الجميع، في إطار نفس إصلاحي طويل.