الحديث عن واقع الصحافة حديث ذو شجون،مثله مثل جميع القطاعات سواء منها الرسمي والمستقل..مما يعني أن الصحافة ليست وحدها التي تعاني من ويلات التردي والتيه في المجهول.
لكن ما تعيشه الصحافة اليوم من ترد أصبح غير محتمل،مما دفع الكثير من اصحاب المؤسسات الإعلامية الرائدة إلى التفكر في هجر القطاع.
وإذا كانت الصحافة قد عرفت فترة ازدهار في تاريخها، بفضل جهود اشخاص ضحوا بكل مالديهم ليحافظوا على المهنة ويزرعوا غرسا نبيلا لها..فقد شهدت أيضا فترات انحطاط طغت على فترة الإزدهار والتميز.
فقد اثر استغلال الصحافة من طرف مخبري الأجهزة الأمنية في عهد سلطة الدولة البوليسية التي هيمنت في فترة ولد الطا يع، والمتملقين من عبدة المال الذين وظفهم رجال الأعمال، والساسة في هرم الدولة في مسخ الصحافة،وتحويلها الى ابواق للتطبيل ولابتزاز والاستجداء.
و الواقع الذي وصلت اليه الصحافة بسبب استغلال هذه الطبقات لها وضعها في مستنقع من الصعب انتشالها منه، في ظل عدم الاهتمام بها وإهمالها من طرف الدولة التي تركتها بين أيدي من يعتبرون الصحافة مهنة استرزاق وتملق وابتزاز.
ولاشك أن نية النظام الحالي في التوجه لإصلاح الإعلام،تعتمد على رؤية بعيدة،وإدراك لما يعانيه قطاع الصحافة خاصة الخاص منها..وكذلك استقطاب الرعيل الأول ومشا ركتها له في مشروع اصلاح الإعلام المستقل.. وهذا يعني السعي الجاد في تمهين الإعلام، والعمل على تعزيز قدراته المهنية والفكرية..كما ان عمل النظام ايضا في زيادة الدعم المخصص للمؤسسات المستقلة يندرج في تعميق فكرة تأسيس بنية قوية تساعد في تثبيت المؤسسات المستقلة، التي كان وما يزال اصحابها يفكرون في ترك مهنة الإعلام بسبب الظروف القاتمة التي يعيشها الإعلام المستقل.
اهتمام السلطة العليا للسمعيات البصرية(هابا) بالإعلام المستقل ، وتفعيل دوره كجزء مهم في مراكز القرار من خلال الندوات، والتكوينات التي تنظمها، وتشرف عليها بين الحين والآخر ..هو الآخر جزء من اهتمام الدولة بالإعلام المستقل..وكذلك مشاركته بالتمثيل في لجنة توزيع صندوق دعم الصحافة.
لكن دعم بمبلغ ٣٥٠ مليون أوقية قديمة لأكثر من ٢٠٠ مؤسسة اعلامية بالإضافة الى قنوات خاصة لرجال اعمال كبار ينافسون من اجل لاستفادة من مخصصات مؤسسات ضعيفة يجعل الصحافة تشكك في صحة نتوجه النظام في إصلاح الصحافة.. كذلك ضعف مستوى تفاعل النظام مع المؤسسات المستقلة، فيما يتفاعل اكثر مع ادعياء المهنة الذين تستغلهم شبكات تعمل على إبعاد الصحافة المهنية عن المشهد.
وعلى ذلك على القيادة العليا إذا كانت فعلا مهتمة بإصلاح الصحافة ...وجادة في العمل على ذلك أن تستفيد من سياسات غيرها من الدول التي نجحت في تمهين وإصلاحها بفضل الفهم العميق لدور الصحافة ودورها الذي لا غنى عنه في تنو ير الراي العام، وتعزيز ثقافة المواطنة، والديمقراطية التي تعتمد على حرية التعبير ..فوضع استراتيجية جادة لإصلاح الصحافة تحتاج الى إرادة من الدولة اساسها الشفافية والعزيمة والنية الصادقة..وكذلك تخصيص غلاف مالي كبير لدعم الصحافة المستقلة يشترط فيه على المؤسسة التي تطلب الإستفادة منه الخضوع للضوابط المهنية ،وان يكون على شكل قروض تلتزم المؤسسة بإعادتها للخزينة في فترة معينة ..وفي حالة الخل بالإلتزام يشطب على المؤسسة ويمنع عليها ممارسة الإعلام، .
إن إصلاح الصحافة ممكن إذا اهتمت الدولة به.. ووضعت له الآلية الكفيلة به ...من ضوابط شفافة وغلاف مالي يسمح بذلك..ولا يمكن ان يحدث إصلاح في الصحافة ولا في قطاع آخر ما داد للنظام مع شبكات الفساد التي تعمل على تمييع قطاع الصحافة وفساده.