عندما كانت مواقع التواصل الاجتماعي، تأخذ موقعها رويدا رويدا في حياة الموريتانيين، وخاصة موقع الفيس بوك، كان شباب البلد المخلصين لمبادئهم، الطامحين لصنع التغيير بكل الوسائل المتاحة، يناضلون على أرض الواقع..تزامن ظهور الفيس بوك عام 2008 مع مرحلة سياسية مضطربة في موريتانيا، لكنه لم يكن الوسيلة الوحيدة لهؤلاء الشباب من أجل رفع أصواتهم إلى الشعب والعالم، فقد كانت لديهم المدونات يكتبون عليها رؤاهم ومطالبهم وينتقدون المنقلبين ومن تسلموا السلطة بعد ذلك في ظروف مشبوهة وغير توافقية.
سقى هؤلاء الشباب شوارع نواكشوط بدمائهم الزكية، وهم يتلقون أنواع القمع والضرب من طرف الشرطة، ولم يتراجعوا لحظة عن مواقفهم، كانوا كابوسا لمحمد ولد عبد العزيز المنتشي حينها بعد اغتياله للديمقراطية وإرجاعه للبلد إلى عهد الانقلابات، وتزوير الانتخابات واستخدام النفوذ وأموال الدولة في عملية شراء الأصوات.
كان هؤلاء يكتبون ويعبرون بلسان مبين وأسلوب رصين عن واقع البلد، إضافة إلى نضالهم على أرض الواقع، وصمودهم أمام القمع والتنكيل، ولم يقف أحد منهم لحظة من أجل أن يمن ذلك على الشعب والمواطنين، رغم أن ظهورهم كانت تحمل الأدلة واضحة للعيان، وكانت وجوههم تحمل الجروح والكدمات، لتشهد على تضحياتهم.
دخلوا السجون، وعقابا لهم على مبادئهم وتم تسليمهم للمجرمين المدانين بالقتل والاغتصاب والاتجار بالمخدرات، وغيرها من الجرائم، وتعرضوا هناك للتعذيب البدني والنفسي، لكنهم خرجوا من السجون كما دخلوا، لم يتراجعوا عما آمنوا به "يسقط حكم العسكر" إنهم قوم قدموا تضحياتهم في لحظات حاسمة من تاريخ البلد، منهم من تغيرت قناعاته وتلك سنة الحياة وكثير منهم يعض بالنواجذ على آرائه تلك وإن مارس أساليب وتكتيكات جديدة للنضال.
خلف الله من بعدهم خلف، اتبعوا أسلوبا جديدا من النضال، مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وسهولة البث المباشر عليها، فأضاعوا النضال والحقوق، وهم لما سوى ذلك أضيع.. قوم لم يخضعوا يوما لأي نوع من التأطير، لم يقف أحد منهم يوما في وقفة على شارع عام، ولم يشارك في مسيرة سلمية، من أجل المواطن والوطن.
يتحدثون بشكل هستيري عن كل شيء، مستوياتهم متواضعة، وأفكارهم متناقضة، وأساليبهم سوقية، لا يعجبهم أي شيء، كل الناس أشرار إلا هم، وكل الناس يباعون ويشترون إلا هم، وكل الناس يعانون من انعدام المبادئ إلا هم.. يلعنون من يستمع إليهم ومن لا يستمع، يمنون نضالهم الوهمي على من يتابعهم كل لحظة، يمتعضون من عدم تقدير الناس لهم، رغم تضحياتهم الكبيرة من أجلهم.
أقصى تضحيات هؤلاء من أجل المواطن، هو أن يوقف أحدهم شاحنته على ناصية شارع عام، ثم يتحدث للناس ثلاثين دقيقة، أو يتوقف آخر عن العمل في دكان للحظات من أجل بث وابل من الشتائم لهذا أو ذاك.. إنها التضحيات الجديدة للمناضلين الجدد.
هم أفضل المواطنين الآن، ينتمون لقبيلة من علية القوم، تسمى قبيلة "أهل البث المباشر" كانوا هنا بيننا إلى عهد قريب داخل الوطن وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمتلك أحد منهم صورة في نشاط نضالي، رغم أنهم عايشوا مرحلة نضالية بامتياز في موريتانيا، بل إن بعضهم قاد المبادرات للرئيس السابق وقاد أخرى للرئيس الحالي، ويمكن أن يقودوها لمن سيخلفه ولو بعد حين.. لا يعرفهم منا أحد في ساحة النضال، ولم يحضروا يوما اجتماعا لتنسيق حراك أو نشاط أو مظاهرة، ولم يرفع أحد منهم يوما لا فتة على رأسه.
يصرخون بشكل مستمر في وجوه المتابعين، يشتمون باستمرار، ويكذبون كذب مسيلمة، وأصواتهم منفرة وما يقولون عبارة عن هذيان مدمن خمر، شرب من الويسكي حتى لم يعد يميز بين الليل والنهار، ثم أطلق العنان للسانه.. هذا ما جعل بعضهم يحذف بثه دقائق بعد نهايته، وكأن أحدا ما وضع رأسه تحت ماء دافق ثم أعاده إلى رشده ليتلافى انتشار فضيحته.
لا يعلم هؤلاء أنهم بالنسبة للكثير من الناس، مجرد مهرجين يضحكون على كلامهم وأساليبهم أوقات الفراغ، وهذا هو الشيء الإيجابي الوحيد الذي يمكن أن يقدموا لمرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، أما من هم في الدولة، فلا يعتبرونهم مزعجين ولا مؤثرين ولا هم يحزنون.. إنهم مناضلون جدد، صراخهم كثير، وتأثيرهم معدوم، ولا يعول عليهم في التغيير، فماضيهم شاهد، وحاضرهم دليل على ضعف مستوياتهم وتفكيرهم وضعف همتهم، المتمثلة في البحث عن تفاعل على الفيس بوك.