كثيرة هي المواقف التي تعرّضت فيها النساء للتحرش سواء التحرش اللفظي أو الجسدي، في الطرقات والأماكن العامة والجامعة وأماكن العمل، ولطالما كانت النساء تفضل السكوت خوفاً من ان يحملها المجتمع مسؤولية الخطأ ولومها، حيث نشأت النساء في بيئات اجتماعية تميل إلى غض النظر عن المعتدي ولوم المُعتدى عليه طالما كانت الضحية امرأة، فالرجل «شايل عيبه» والمرأة يجب أن تتحمل مسؤولية أخطائه دائماً حتى وهم أطفال تتحمّل الأخت أخطاء أخيها...
في البداية يُعرَّف العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي بأنه: (أي عمل من أعمال العنف البدني أو النفسي أو الاجتماعي بما في ذلك العنف الجنسي، الذي يتم ممارسته أو التهديد بممارسته مثل العنف، أو التهديد، أو القسر، أو الاستغلال، أو الخداع، أو التلاعب بالمفاهيم الثقافية، أو استخدام الأسلحة، أو استغلال الظروف الاقتصادية)، كثيراً ما تتداخل أنواع العنف وأشكالها، فالتحرش اللفظي قد يُمارس بشكل يومي ويسبب الأذى النفسي للضحية، وأحياناً يكاد يكون من الصعب فصل العنف المنزلي والتحرش في المجال الخاص عن العنف في المجال العام، الممارس من قبل المجتمع والسلطات السياسية والعسكرية.
عندما انطلقت حملات المناهضة ضد التحرش والتي قمنا بها في الكويت أيضاً، بدأ الكثير من النساء بمشاركة تجاربهن عن التحرش الذي تعرّضن له، وأدرك الكثير وأخيراً الانتشار الواسع لتلك الممارسات المشينة، ما يبين دور البوح ومشاركة تجاربنا، بالإضافة إلى تسمية المتحرش والحديث علناً كونه مجرماً ومن المفترض أن يعاقب بدلاً من أن ينظر إلى جرمه كتصرف عادي.
يعتبر معظم المجتمعات جسد المرأة ملكيةً عامةً وخاصةً معاً، فإما أن يكون شرف العائلة التي يزعم بها الرجال فيفرض عليها السيطرة بتلك الحجة، أو جعله هدفاً للرجال ويكون ذلك يومياً عن طريق العنف المنزلي وعنف الشريك والاغتصاب والتحرش، بالتالي ينشأ الذكر في المجتمعات الأبوية، مؤمناً بأن ممارسة المرأة لحقوقها الإنسانية الأساسية وحريتها إهانة لذكوريته وتلطيخاً لشرفه وسمعة العائلة، فتنشأ المرأة مسلوبة الإرادة والرأي وحرية الاختيار من خلال ممارسة أشكال العنف المختلفة عليها للقبول بالوصاية والذي قد يبدو الطريقة الوحيدة لضمان سلامتها.
ولربما حان الوقت للتساؤل عن دور القيم المرتبطة بالممارسات الذكورية في مجتمعاتنا الذي يدفع بالذكور لممارسة العنف، وكيف يرتبط العنف المنزلي بالعنف المجتمعي الثقافي والعنف السياسي والعسكري لتشكيل حلقة مفرغة لا تعود إلّا بدمار وتفكيك المجتمع.
إضافة إلى ذلك، دور الصمت والجهر وتواطئهما في استمرار وتشجيع العنف، حيث يعد حديث النساء عن التحرشات التي تتعرّض لها سواء في الشارع أو العمل أو البيت ولو كان عبر اسم وهمي لحماية نفسها أو باسمها الحقيقي يحدث فرقاً شاسعاً، فلن يكون التحرش تصرفاً عادياً، و«خلاص سكتي الحين بيمشي» بل حتى الصوت العالي في وجه أي متحرش يعد ردة فعل تغير سلوكيات المجتمع عالبعيد، هنا كذكور يتغذون على خوفك وصمتك، واجهي بأي طريقة تستطعين.