يا أمنا الأرض أبشري واستبشري...مازال يحرس عرضك الأبناء
لك إن عطشت من الدماء موارد....ومن الجسوم إذا عريت كساء
هو كذلك...لقد رسم الشاعر لوحة تختصر القضية، وتحدد مسارها وتبين العلاقة بين الإنسان والأرض.
يشكل ارتباط أبناء فلسطين -الأرض التي بارك الله فيها وحولها -قوة جبارة لقوم جبارين لا يمكن كسرها ولا تصور ضعضعتها مهما قست الظروف وادلهمت الخطوب.
فمنذ النكبة نهاية أربعينات القرن الماضي والصهاينة لا يدخرون أي جهد في سبيل قلب معالم الأرض، وتشويه ملامح الأرض، وتغيير واقع الأرض، لكن للأرض من يحيمها، ويأبى الله ذلك والمؤمنون، فما زاد ذلك أبناء الأرض إلا تعلقا بها وإيمانا بعدالة حقهم فيها.
لقد زاوج الصهاينة المغتصبون بين سياسة التهجير القسري والتشريد لأبناء الأرض ومطاردتهم، وبين اغتصاب الأرض وبناء المستوطنات ومصادرة آلاف الفدادين والعقارات، لكن ذلك لم يفت في عضد أبناء الشعب الفلسطيني، ولم يثنهم عن رفع عقيرتهم بحقهم في الأرض التي ورثوها عبر مسار زمني طويل، أراد المغتصبون مسحه وتغيير واقعه، ولكن في كل مرة يفشلون وفي كل محاولة يخسرون.
ومن الأيام الخالدة في ذاكرة الفلسطينيين والتي تجمع أبناء الشعب الفلسطيني وتوحد مشاعرهم رغم اختلاف توجهاتهم ونظرتهم للتعاطي مع القضية، يبقى يوم الأرض في خضم الأحداث والأيام من أكثر المناسبات التي توحد الفلسطينيين، وفيه يتذكرون جرائم الاحتلال وما قام به قبل سبع وأربعين سنة من مصادرات آلاف الفدادين، ومحاولة تهجير السكان الأصليين في عدد من القرى وبناء مستوطنات لليهود، فكان الرد جليا وصارخا أن الأرض للفلسطينيين، وأن محاولات تزوير التاريخ والجغرافيا لن تنفع مع شعب آمن بقضيته وآمن بتوريثها..
تحرك أهل الأرض وأعلنوها مدوية لا شية فيها، ونفروا خفافا وثقالا..
كانت ردة الفعل جلية في الثلاثين من مارس رغم العنف ورغم البطش، وحتى يؤكد أبناء فلسطين تشبثهم بالأرض في يوم الأرض رووها بدماء الشهداء، وكان ذلك اليوم عنوان ملحمة يخلدها الفلسطينيون أينما حلوا، ويباركها المؤيدون للقضية والمؤمنون بحق الشعوب في استقلالها وعيشها بحرية وكرامة.
إن الاحتفاء بهذا اليوم رغم مرور عقود من الزمن يشكل نبراسا يضيء الطريق، ويربط الأجيال بالقضية، فلن ينعم المغتصب بالعيش في أرض يتوارث أبناؤها حبها وحب التضحية من أجلها، لاسيما وأنها تضم المسجد الأقصى الذي يعتبر رمزا إسلاميا يتجاوز التشبث به والدفاع عنه أبناء المنطقة إلى كل الأمة الإسلامية.
لقد راهن الصهاينة على تصور مهلهل، حيث ظنوا ظنا متهافتا أن مسألة الأرض مسألة وقت، وأن رحيل الجيل الذي عايش النكبة وعاش المأساة سيجعل الأجيال المقبلة تتجاوز القضية، ويخبو أوار الثورة فيها، فتجلى أن تشبث الفلسطينيين بالأرض يولد مع الأبناء والأحفاد، ويندغم في مشاعرهم ووجدانهم.
وكم هو مؤثر ومعبر أن يورث الآباء أبناءهم مفاتيح منازل اغتصبت وهدمت وبنيت على أنقاضها مستوطنات، لكن ذلك لم يغير من إيمانهم بأحقيتهم في الأرض، وتعدل تلك المفاتيح كنوز الدنيا.. فلا هم عنها يتخلون، ولا هم لها سيسلمون أو لعدوهم سيستسلمون.
ولسان الحال ينشد:
فعدا ستورق بالشهادة قدسنا...وسيرحل التنين وهو يساق
وسينبت الزيتون لحظة فجرنا... متبسما فيضمه المشتاق
ويهلل الأقصى نقاء سجودنا... آن الصلاة ويحمد الخلاق