هذا المقال منشور في العدد ٤٢ من مجلة الثقافة الشعبية، فصلية تهتم بالثقافة الشعبية،لكاتبته احلام ابو زيد من مصر،اخترناه للنشر،لأنه يعالج جوانب مهمة من الثقافة الشعبية الموريتانية.
.........
المقال
لا زلت أجد صعوبة حقيقية في الحصول على إصدارات متعلقة بالثقافة الشعبية الموريتانية، وقد حاولت مرارًا التواصل مع دور النشر وبعض المهتمين بالمجال، ومع ذلك لم يتح لي سوى القليل جدًا من الإنتاج الفكري بموريتانيا.. وقد أشرت في العدد 40 من المجلة إلى أن موريتانيا لا زالت على رأس الدول التي لم تصلنا منها دراسات منشورة حديثًا في مجال الثقافة الشعبية، وفشلت جهودنا الشخصية في الحصول على الدراسات المنشورة، كما لم يتح لنا حضور أية مشاركة علمية بها.. وسنسعى في الفترة المقبلة للبحث عن إنتاج فكري جديد بموريتانيا. ولست في حاجة للفت الانتباه إلى أهمية التعرف على التراث الشعبي وملامحه في هذه البقعة المهمة في أقصى الشمال الأفريقي، والتي شهدت تسجيل العديد من المواقع الثقافية على قائمة اليونسكو، كما اشتهر التراث الموريتاني بثراء وتنوع في العديد من مفرداته خاصة ما يتعلق بفنون الأدب الشعبي من ملاحم وحكايات وشعر شعبي وأمثال.
وسنحاول في هذا العدد أن نعرض لبعض ما وقع بين أيدينا من دراسات منشورة حول الثقافة الشعبية الموريتانية، دون أن نلتزم بقواعد «جديد النشر» في عرض الدراسات الحديثة فقط. ورغم -أنني لا أعتمد- مواقع الإنترنيت كمصدر في تحرير هذا الباب، فإن هذه المواقع لم تتح أيضًا المعلومات الكافية، منها على سبيل المثال: إشارات لكتاب «جامع التراث الشعبي» لغنَ الحساني لبابَ أحمد ولد البكاي، نحاول العثور على نسخة منه. غير أننا سنعرض هنا للمجموعة التي وصلتنا من الدراسات المنشورة حول الأمثال والحكايات والأساطير وعادات الزواج والثقافة النسوية غير المادية، فضلاً عن مشاهير العالمات والصالحات الموريتانيات. وسنبدأ بأطروحة ماجستير استطعنا العثور على نسخة pdf منها دون أن نتلمس محتوياتها المطبوعة.
أطروحة ماجستير حول المدحة الموريتانية
نوقشت هذ الأطروحة تحت عنوان «المديح النبوي في الشعر الموريتاني الفصيح: النشأة ومراحل التطور» لمحمد فاضل ولد أحمد، وإشراف محمد حسن الأمين، ونوقشت عام 2010 بجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان- بكلية الدراسات العليا. بدأها الباحث برصد مفردات العنوان والصعوبات التي واجهته في البحث، وتناوله للدراسات السابقة ذات العلاقة ببحثه، ثم خطة البحث والمنهج المتبع. وقد عرف الباحث المديح النبوي بأنه الشعر الذي يتناول الإشادة بمقام الرسول صلى الله عليه وسلم وفضله، ويعدد صفاته الخُلقية والخَلقية، ويبين معجزاته، وينوه بغزواته، ويفصح عن حبه والشوق إليه. ثم بدأ في رسالته بتناول «مهاد المديح النبوي الموريتاني» من حيث السياق التاريخي والإطار الثقافي مشيرًا إلى الشعر الموريتاني الفصيح. ثم انتقل لبحث الخطاب المديحي في الشعر الموريتاني من حيث النشأة والمضامين والبنية الشكلية والخلفيات الفكرية لشعراء المديح. ثم مراحل تطور المديح الموريتاني الذي قسمه إلى عدة مراحل: مرحلة التأسيس- مرحلة النضج والاكتمال- مرحلة الانتشار والتوسع- ثم المرحلة المعاصرة.
وقد أورد الباحث بعض النماذج لما اسماه «المدرسة الشعبية» في المديح الموريتاني، إذ يمتاز شعر هذا الاتحاه باستخدام الألفاظ العامية والأفكار الشعبية الممزوجة بالفصحى، فكان شعرهم سهل المأخذ، طريف الدلالة، قريبًا إلى القلوب، واسع الجمهور، متسمًا- في الغالب- بالعمق والصدق مع بساطة في الصورة البلاغية. وأشهر ممثلي هذا الاتجاه الشاعر محمد بن أحمد يورة الذي نجد في إبداعاته دوافع الاتجاه الشعبي، بما يشبه التنظير لهذا اللون من الإبداع في قوله: (الطويل):
ألا أيهـــا الشعر ورلاتك ناطقًـــــا
بشعر يني عن فهمه المتناوش
ولا خير في شعر يعوزك فهمه
إذا هو لم توضع عليه الهوامش
ولم تكن شعبية هذا الاتجاه لاستخدامه «الحسانية» فقط، بل تجاوز ذلك إلى استخدام الأمثال والقصص الشعبية بألفاظها تارة، وبترجمتها إلى العربية تارة أخرى، كما نجد عند بن أحمد يورة في قوله: (الوافر)
تشوقت الأحبة يـوم بانوا
كما اشتاق الحمام إلى الهديل
كان القلب من جذع وحزن
غداة رحيلهم لبن الرحيل
وخلص الباحث لعدة نتائج من بينها أن الشعر الموريتاني بمختلف أغراضه وعصوره ما زال يحتاج إلى كثير من البحث والدراسة رغم البحوث القيمة التي أضافها بعض الباحثين إلى المكتبة العربية خلال العقود السابقة. كما يرى أن المدحة الموريتانية تتخذ المديح العربي نموذجًا لها لكنها تعبر بصدق- في كثير من الأحيان- عن الهموم المحلية لأهل المنطقة في وقتها. كما انتهى إلى أن الموريتانيين جمعوا في مديحهم بين محاكاة المديح القديم في مقدماته وبين التجديد الإبداعي الذي وصل في بعض الأحيان إلى الخروج على أسس الخليل بن أحمد. وقد ألحق الباحث محمد فاضل ولد أحمد بأطروحته مجموعة مهمة من الملاحق شملت تراجم الشعراء الذين ورد لهم ذكر بالبحث، والقصائد الثمانية التي تم اختيارها وتحليلها كنماذج للمديح الموريتاني في مراحله المختلفة. كما ألحق بالرسالة فهارس للآيات والأحاديث النبوية والمصادر والمراجع والمحتويات.
الحكايات والأساطير الشعبية الموريتانية
كتاب الحكايات والأساطير الشعبية الموريتانية: حكايات الحيوان هو الجزء الأول من «النص الأول» الذي أصدرته اللجنة الوطنية لجمع ونشر الثقافة الشعبية بالاشتراك مع المعهد التربوي الوطني بموريتانيا، ويقع في 376 صفحة من القطع المتوسط، ولم نعثر على أي بيان يفيد بتاريخ نشر هذا الكتاب، والذي اشترك في تأليفه عدد من الباحثين وقد حرصت اللجنة على ذكر أسمائهم ووظيفتهم وهم: موسى ولد ابنو/ مستشار برئاسة الجمهورية، محمدو ولد احظانا/ وزارة التهذيب الوطني، امباركة بنت البرا/ المدرسة العليا للتعليم، خديجة بنت عبد الحي/ إدارة المكتبات، محمد يعقوب بن أحمد/ إدارة الثقافة، محمد ولد البرناوي/ جامعة نواكشوط، محمد بن البرا/ إجازة في الصحافة، آمنة بنت محمد الآمين/ إجازة في الفلسفة. كما سجل في ظهر صفحة العنوان أن الكتاب طُبع بعناية فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وهو ما يعكس الاهتمام الرسمي بالتراث الشعبي الوطني.
ويتناول الكتاب حكايات الحيوان كجزء أول، على أن يشتمل الجزء الثاني على حكايات الإنسان. ويشمل الكتاب المنهج العلمي الذي قامت عليه عمليات الجمع الميداني، من بينها بلوغ سن الرواة الخمسين عامًا، مع محاولة وضعه نفسيًا في الماضي بما أمكن من ملابسات حتى يكون أمينًا لصورة الحكي المتوارثة، وألا يكون متأثرًا بالقص المكتوب حديثًا أو قديمُا حتى تكون خارطة الحكي أصيلة، مع مراعاة النوعيات الاجتماعية المختلفة من نساء ورجال. ثم يستطرد الباحثون في شرح مراحل العمل من تفريغ للمادة المسجلة، والفرز والتبويب. وقد تم اختيار مصطلح «تفصيح» للتعبير عن تحويل المادة المدونة بـاللهجة الحسانية إلى العربية. حيث أن الحسانية كلهجة مرتبطة- بالثقافة الشعبية الموريتانية- تنطوي على العديد من المفردات التي أصبح بعضها من مهجور اللهجة العربية اليوم. كما تشرح المقدمة: دوافع العمل ومراحله العمل، تأطيره، في إشارة إلى الحكايات في الأدب العربي والدراسات العربية والموريتانية حول القصة الشعبية.
ويتميز الحكي عند الموريتانيين بمجموعة من الملابسات المصاحبة لكل حكاية: من ذلك التمهيدات للحكي بمجموعة من الأغاليط، أو ببراعة استهلال، كما ينتهي بعبارة ختام معروفة، وتطلق على الحكي مسميات مختلفة حسب المناطق الموريتانية.
ويقصد بالأغاليط التمهيدية أن تصاحب الحكايات أساليب اختبارية لانتباه الأطفال مثل: حكاية «النيبه والنيب» التي تفسدها مجموعة من الإستجابات لدى المحكي عليه كأن يسأل عن معناها أو يستحث على التالي منها، أو يقول نعم عندما يسأل هل يعرفها أم لا أو يجيب أي إجابة أخرى فكل جواب من طرف المتلقي يفسد الحكاية. أما براعة الاستهلال فهي فاتحة الحكاية حيث يستهل الراوي حكايته بـ«فالك ما فالك عن مُلانَ هو البالن والبالك والبال وليدات المسلمين عن خالف ...» أو «خالف ياهو...» أو «فالو...» أو «خالفين وحدين ...».
وهذه البراعة الاستهلالية تؤكد الهدف التربوي للحكاية، وغاية منحها بعدًا تشويقيا يشد السامع إليها، خصوصًا إذا كان طريَّ العودِ غضَّ الذاكرة، سهل الانصراف عن الحكي. أما تسمية الحكايات فيختلف حسب المناطق ففي المنطقة الشمالية والغربية والجنوبية يشيع المصطلحان «لِمْرَادْ» أو «اروَاياتْ»، وفي المنطقة الشرقية يشيع مصطلح «اتْحَاجِي» وخصوصًا في بعض مناطق الحوض. وفي الختام تنتهي الحكاية كما بدأت بكلام يعلن نهايتها مثل: «ذَا قْدِه، وذَا حَدهَ، يَعْمَلْنِ انتمْ سَالِمْ انْردْهَ» أو «ارْبَطْتْ انْعَايْلِي وُتَميْتْ ماشِي»....إلى غير ذلك من أساليب الختم. الهدف كما هو معلوم هو صرف انتباه المستمع عن أفق الحكاية إلى أفق جديد.
ويتناول هذا الجزء الخاص بحكايات الحيوان 243 حكاية، من بينها 7 نصوص محورة، و 236 نصًا يشتمل على أربعة فصول، يتناول الأول الحكايات المرتبطة بـ «الدب» وتشمل 24 حكاية جميعها في حجم الفقرات الصغيرة وتشمل كل حكاية عنوانًا خاصًا بها مثل: قسمة الدب للطعام- ذريعة الدب لأكل أمه- الدب وقشرة الفستق- شرتات وأمه والجمل..إلخ، وجاءت الحكاية الأخيرة على النحو التالي: شرتات قال لأمه أنه تعطيه الجمل يوكله وراه إتم هو يرفد الدبش. أعطات الجمل وكاله. إلين كاله امرف هو وقال لامه ديري اعلى الدبش، تمت ادير فالدبش وابقى المعرظ، قالت له مزال المعرظ، قال اله ألا ديريه آن ماني فايم، وديري المعرظ». ويسترسل الكتاب في رصد وتوثيق حكايات الحيوان الخاص بالدب ليعرض لحكايات الدب والذئب، والدب والأرنب، والدب والأسد، والدب والخنزير البري، والدب والحمار، والدب والناقة، والدب والغنم، والدب وحيوانات أخرى، ثم حماقات الدب. أما الفصل الثاني فقد تناول مجموعة حكايات حول كل من «الذئب والأرنب» ليسجل حوالي 40 حكاية حول الذئب بدأت بحكاية «الديب وصاحبه» واختتمت بحكاية «كل عشاءك مما وليك». أما الحكايات المرتبطة بالأرنب فقد احتوت حوالي 20 حكاية بدأت بحكاية «أغب النيرب» وانتهت بحكاية «يا من مني؟ يا من مني». ثم تناول الفصل الثالث مجموعة حكايات حول: الأسد (15حكاية) والفيل (5حكايات) والضبع (21 حكاية). على حين عرض الفصل الرابع لحكايات حول حيوانات أخرى هي: الخنزير البري- القنفذ- القرد- القط- الفأر- السنجاب- السلحفاة- الكلب- الحمار- البقرة- الغنم- الطيور- الحشرات- الضفدع- غرائب.
كتابان في الأمثال والحكم الشعبية الموريتانية
وقد صدر بنواكشوط كتابان حول الأمثال الشعبية الموريتانية عن مؤسسات علمية مهتمة بالتراث الموريتاني، ونبدأ بالكتاب الأول الذي يمثل الإصدار الثاني المشترك بين اللجنة الوطنية لجمع ونشر الثقافة الشعبية والمعهد التربوي الوطني بموريتانيا، ويقع في 380صفحة من القطع المتوسط. الكتاب بعنوان «الأمثال والحكم الشعبية الموريتانية» قام بوضعه مجموعة من الباحثين هم: موسى ولد ابنو/ مستشار برئاسة الجمهورية، محمد المصطفى ولد الندى/ المعهد الموريتاني للبحث العلمي، السالك بن محمد المصطفى/ المعهد الموريتاني للبحث العلمي، سيدي أحمد بن أحمد بن سالم/ المدرسة العليا للتعليم. ولم يسجل أيضًا تاريخ نشر الكتاب، غير أن اللجنة أشارت في ظهر صفحة العنوان أيضًا أن الكتاب طُبع بعناية فخامة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، السيد معاوية ولد سيدي أحمد الطايع الذي حرص على توثيق التراث الشعبي في صورته المنشورة.
وتشير المقدمة العلمية للكتاب إلى موضوع المثل في التآليف العربية، وتدوين الأمثال العربية، الموريتانيون وتأليف الأمثال، ورصد ملامح المجتمع الموريتاني من خلال الأمثال والتي تعكس حياة المجتمع الموريتاني بمختلف تجلياتها فنقرأ فيها ثقافته، كما نجد ضمنها معتقداته الدينية، هذا فضلاً عن المُثل والأخلاق التي تشبث بها هذا المجتمع والتي تشكلت والتأم نسيجها على مر قرون وقرون. كما أن المجتمع نفسه بمكوناته وتشكيلاته السياسية والاجتماعية التقليدية والأجيال وصراعها والرجل والمرأة وعلاقاتهما المتعددة وإحساسات الفرد وطموحاته تتجلى في الأمثال. لقد استقطبت الأمثال كل هذه الحيثيات في أسلوب موجز ولغة أدبية وتصوير فني رفيع جعل الأدباء الفصحاء والشعبيين ينهلون من هذا المعين الثري ويغوصون في هذا الرافد الغني. وقد حاولت الدراسة تتبع ورصد المظاهر الثقافية والاجتماعية في هذه الأمثال من خلال بحث الثقافة والأمثال، العلم والأمثال، المرأة والأمثال، الأخلاق والأمثال، الأدب والأمثال، طريقة كتابة الأمثال والتي كشفت عن إشكالية غياب قواعد لغوية (صوتية وصرفية وتركيبية) للدارجة الحسانية التي أنتجت الأمثال وغيرها من الآداب الشعبية.
أما المنهجية المتبعة في توثيق مادة الكتاب فيشير الباحثون بقولهم: بعد جمع مادة الأمثال قمنا بكتابتها وإخضاعها للطريقة الإملائية مع التقيد بشكل الحروف حتى نقرب النص الدارج أكثر إلى القارئ ونسهل استيعابه ما أمكن ذلك، ثم قمنا بتفصيح المثل ونعني بتفصيحه؛ إعطاء صيغته باللغة العربية الفصحى وأحيانا نقوم بشرح بعض مفرداته إذا كانت غريبة صعبة قبل إعطاء الصيغة الفصيحة. وبعد هذا المستوى نعطي معنى المثل عموما وقد نقتصر على ذكر مضربه فقط، وفي بعض الأحيان يكون للمثل مورد أو قصة مشهورة توضح أسبابه وتعين على تمثله وكثير ما أوردنا تلك القصة. وقد رتبنا الأمثال ترتيبا أبجديا، وحرصنا على إعطاء صورة متكاملة للأمثال الشعبية الموريتانية، وبمختلف مكونات المجتمع الموريتاني، سيجد القارئ بالإضافة إلى الأمثال الشعبية ذات الأصل العربي أمثالاً من منطقة النهر تعكس ثقافة العنصر الإفريقي الموريتاني. وهذه الأمثال سيجدها القارئ مكتوبة بالعربية الفصحى، إذ قمنا بترجمتها من اللهجات الإفريقية المحلية وشرحناها.
وقد حاولنا أن نبتعد في مدونتنا عن الأمثال ذات الصبغة الجارحة سواء كانت أمثال تمس الأخلاق العامة أو كانت تفصح مواقف عشائرية أو تكرس نوازع قبلية لا تخدم المشاعر العامة، ولا تفيد مصالح المجتمع الكلية، لذلك تقلص عدد الأمثال من أكثر من 3000 إلى ما يزيد على 2000 مثل.
وينبغي أن نؤكد في البداية على أن هذا النص لا يشكل سوى مادة قليلة وأولية للأمثال الموريتانية، فالأمثال الموريتانية كثيرة جدًا ومتنوعة غاية، وصدق الأستاذ المختار بن حامد رحمه الله حين قال: إن تحت كل كلمة الدارجة الحسانية مثلًا، فليعذرنا القارئ إذا وجد نقصًا في المادة أو تقصيرًا في الشرح أو سهوا في التعاليق أو خطأ في الفهم فالكمال لله وحده.
وعلى هذا النحو تضمن الكتاب 2754 مثلاً شعبيًا رُتبت ترتيبًا هجائيًا من حرف الهمزة إلى حرف الياء، نذكر منها:
أغْلَظْ مِنْ جَنّافَه
تفصيحه: أكثر نخوة من جنافه، وهي نوع من الأساريع يكثر زمن الخريف، وينقبض عند ملامسته، ولعل انقباضه ذلك جعلهم يشبهونه بالمتأنف.
خَيْمْتَكْ لاَ اتْكَبَّرْهَا غَيرْ اكْبَرْ تَحَتْهَا
تفصيحه: بيتك لا توسعه ولكن وسع صدرك لمن جاء للبيت يضرب في الحث على اكرام الضيف والتحذير من الرياء.
الرَّجَّالَ شَغَّلْهُمْ ولاَ اتْوَكَّلْهُمْ
تفصيحه: استغل الرجال ولا تطعمهم، يتمثل به في أن تسخير الرجل أفضل من تسمينه.
العْلّيَاتْ اعْمَايِمْ الأجْوَادْ وانْعَايِلْ الـَكْلاَبْ
تفصيحه: النساء عمائم الأجواد ونعال الكلاب، يضرب للحث على تكريم النساء.
كُبْرْ القَلْبْ
تفصيحه: ضخامة القلب، هذا من الأمثال المترادفة الذي يضرب لمعنيين متعارضين حسب السياق؛ فهو يضرب لضعف في العقل، ويضرب كذلك للمسؤولية والتوسع في الاهتمام بشؤون العامة.
الْمُزيْنَهْ عِيفَتْهَا مُدَيْنَهْ
تفصيحه: الممدوحة للزواج الملل منه دين أي لابد منه، يضرب لعدم التدخل بين الخطيب وخطيبته.
يِنْقْبَظْ بِالْوُجُوهْ اللَّي مَا انْقْبَظْ بــِالسيُوفْ
تفصيحه: يقبض بالوجوه ما لا يقبض بالسيوف أي يقبض بالرفق ما يقبض بالعنف، يضرب للحث على استعمال اللين والرفق بدل الشدة والعنف.
أما الكتاب الثاني حول الأمثال فقد أصدره المعهد الموريتاني للبحث العلمي حول الثقافة النسوية غير المادية بموريتانيا عام 2005 بعنوان «أمثال» وهو الإصدار الثالث في إطار بحث الثقافة الشعبية للمرأة الموريتانية، بدعم من اليونسكو مكتب الرباط، وترقية الثقافة النسوية غير المادية في موريتانيا. وشارك في إنجازه السالك ولد محمد المصطفى، فاتمانا باس، حواء بنت ميلود، محمد المختار ولد سيدنا، غالي ولد سيد أعمر، محمد الهادي ولد محمد المصطفى، المقبولة بنت نما، بوبة ولد محمد نافع. ويقع الكتاب في 79 صفحة من القطع المتوسط. وتشير مقدمة الكتاب إلى أن الثقافة النسوية غير المادية بموريتانيا تمثل كنوزًا ثمينة من المعارف والمهارات التي أصبحت اليوم، لأسباب عدة، مهددة بالضياع. وللمحافظة على هذا الموروث النفيس وتثمينه وتوظيفه، يقدم المعهد الموريتاني للبحث العلمي بدعم من مكتب اليونسكو في الرباط، سلسلة من الإصدارات الخاصة بالتراث النسوي اللامادي خدمة لتعميم القراءة ودعم برامج محو الأمية زيادة على البعد التوثيقي لهذا التراث المهدد.
وقد جُمعت هذه النصوص من مصادر شتى منها المخزون الصوتي لدى المعهد الموريتاني للبحث العلمي، ونتائج حملة ميدانية نُظمت ضمن هذا البرنامج وأعمال بعض المؤلفين وإصدارات اللجنة الوطنية لجمع ونشر الثقافة الشعبية. ويشمل هذا الكتاب الثالث من سلسلة «الثقافة النسوية» جزءًا من مدونة الأمثال الشعبية التي يدور مضمونها حول النساء، وتكرس في أغلبها المكانة المرموقة للمرأة عند الموريتانيين.
الكتاب على هذا النحو يُعد أقرب للثقافة العامة منه إلى البحث العلمي، والمادة المقدمة لكل مثل شديدة البساطة والعمق في آن. إذ يقدم مع كل مثل ثلاثة بيانات رئيسية: نص المثل- النص بالفصيح- مضرب المثل. وسنعرض في الجزء التالي لنماذج منها:
نص المثل: أم سبعَ ماوْراهَ شبعَ: النص بالفصحى: أم سبعة أشهر من الحمل لا تستطيع الشبع. مضرب المثل: عندما يتجاوز حمل المرأة سبعة أشهر يؤثر ذلك على شهيتها، يُضرب لعلاقة فقدان شهية الأكل بالحمل.
نص المثل: الطفلةَ تشبه أمهَ والقدره تنكفَ اعل فمه. النص بالفصحى: الطفلة تشبه أمها والقدر كالقدر ينكفئ على فم صاحبه. مضرب المثل: يمكن معرفة طباع البنت عن طريق معرفة طباع أمها، فهي تشبهها كما يشبه القدر القدر، يُضرب لكيفية اختيار الزوجات. وقد يناظر هذا المثل في مصر: إكفي القدرة على فُمها تطلع البنت لامها، ويُضرب في السياق نفسه.
نص المثل: حول الطفل لوَّل. النص بالفصحى: قماش البنت الأول. مضرب المثل: كان المجتمع في بعض نواحيه يهمل لباس البنت الصغيرة، حتى تبلغ السابعة أو الثامنة من العمر. وإذا حصلت البنت على أول قماش تلبسه يكون عزيزًا عليها، يُضرب للشيء العزيز على صاحبه.
نص المثل: ولْ عمَّ بنعايل ألا برَّان بحْمايلُ. النص بالفصحى: ابن عمي بنعاله لا أجنبي بحمائله. مضرب المثل: ابن العم ولو كان لا يملك غير نعليه أفضل من الأجنبي ولو كان غنيًا، يُضرب لتفضيل أبناء العمومة في الزواج على الآخرين.
وعلى هذا النحو يفرد الكتاب لمجموعة الأمثال الشعبية الخاصة بالمرأة في شتى النواحي المرتبطة بها خلال دورة الحياة مرورًا بالمناسبات والعلاقات الأسرية والاجتماعية وغيرها.
مشاهير العالمات والصالحات
ومما وصل إلى أيدينا أيضًا من الإنتاج الفكري الموريتاني المتعلق بالثقافة الشعبية والتراث كتاب «مشاهير العالمات والصالحات الموريتانيات» تأليف سيد أحمد ولد معلوم ولد أحمد زروق، صدر عام 2014 عن إدارة الثقافة والفنون التابعة وزارة الثقافة والشباب والرياضة بموريتانيا، والكتاب صغير من القطع المتوسط. ويقع ضمن المؤلفات المتعلقة بالتراجم «السير الذاتية» للمرأة واشتمل على العديد من الأسماء للنساء المبدعات في مجالات التراث كالشعر الشعبي والطب التقليدي وكذا الكتابة في مجال التراث. ويشير المؤلف إلى أن المجتمع الموريتاني وخاصة الزوايا منه يحوي كثيرًا من العالمات والشاعرات والصالحات، وقد قسم مجالات المرأة إلى ستة أنواع: نساء عالمات- نساء صالحات- نساء شاعرات- نساء طبيبات- نساء كاتبات- نساء لهن محاظر. وقد تكون المرأة منهن تحتوي جميع الفنون، فتكون عالمة، وشاعرة وصالحة، وطبيبة تقليدية، ومدرسة في محظرتها وهذا أغلب الأحوال، إلا أن الكاتب- على حد قوله- لم يسجل إحداهن إلا مرة واحدة وفي فن واحد، مخافة التكرار الممل والتطويل المخل. ثم بدأ زروق كتابه بفصل «النساء العالمات»، اختار منهن أسماء عدة تباينت المعلومات التي سجلها عنهن في ترتيب هجائي، بدأها بـ «اخناثة بنت بكار»: وهي مضرب المثل في الكرم والمعرفة والشهامة، وهي أم السلاطين العلويين بالمغرب، أي أنها زوجة السلطان مولاي اسماعيل وأم ولده عبدالله وهي عالمة مشهورة كانت تناور رجال العلم خبيرة بالحديث ورجاله، فقيهة جميلة الخط، ومحل ثقة عند زوجها مولاي اسماعيل الذي كانت تكتب له الرسائل التي يخفى أمرها عن كتابه. لها مؤلفات منها: كتاب الفقه- حاشية على كتاب الإصابة لابن حجر وهو موجود بخط يدها بالخانكة الملكية بالرباط، فضلاً عن رسائل وفتاوى عديدة. توفيت رحمة الله عليها ست جمادى الأولى سنة 1155هـ، ودُفنت بروضة الإشراف بالبيضاء بفاس الجديد بالمغرب. وقد أورد المؤلف في هذا القسم أسماء عديدة منها: آمنة بنت الطالب محمد- حاجة بنت ابنو عبدم- زينب النفزاوية المرابطية وهي عالمة معروفة وزوجة أمير المرابطين يوسف بن تاشفين- هند بنت حمد الله المجلسية وهي عالمة مشهورة لها شرح على أسماء الله الحسنى.
أما القسم الذي تضمن «نساء صالحات» فيشير المؤلف بقوله «اشتهر في بلادنا نساء بالولاية والصلاح والعبادة، يقصر عنهن الحصر ولا يحيط بهن العد، فعلى سبيل المثال لا الحصر فمن قبيلة أولاد ابييري وحدها يُنسب للشيخ سيدنا الكبير رحمة الله عليه أنه قال: قضين أربعين سنة عند باب الكعبة تزاحمني مناكب امراباطات أولاد ابييرى تمنعني من الدخول فيها، فما بالك بالقبائل الأخرى الزاوية الكثيرة المتشتتة في البلاد. بدأ المؤلف قسم النساء الصالحات بالحديث عن «أم المؤمنين بنت سيد المختار» الأكداشية الحسنية وهي ولية صالحة كثيرة العبادة جارية الحكمة وبكاءة من خشية الله مجابة الدعاء كان المريض الذي أصابه الجنون يأتي به أهله إليها مكبلًا فيشفى لتوه ويرجع به أهله كما كانت كثيرة المكاشفات إلى حد أنها عندما تسأل عن شيء من حالة مريض أو غائب فتغمض عينيها وتحدث عن حالته وما سيحصل له، يقال أن لها تلاميذ من الجان، توفيت رحمة الله عليها بالسنغال سنة 1905م، زينب بنت دداه صالحة مرموقة ووصالة للرحم وصاحبة مرائي كثيرة توفيت رحمة الله عليها 2003م ودفنت بنواكشوط، عيشة بنت البكاي ولد الشيخ سيد المختار ولد محمد الأمين ولد الشيخ المصطف الولية الصالحة صاحبة الكرامات والمكاشفات الكثيرة المتوفية 1998م المدفونة مع جدها الشيخ سيد المختار في شلخت الكبش في الجنوب الشرقي لمدينة مال، فاطمة بنت الطالب احمد ولد محمد راره التنواجيوجية عالمة ورعة مشتغلة بنسخ الكتب توفيت رحمة الله عليها في القرن 13هـ، أما نيان بنت والد الديمانية من أهل العلم والصلاح واشتهرت بالتنجيم، فاطم امبارك بنت الشيخ محمد ولد نزيل بن الشيخ المصطف صالحة معاصرة وشيخة معروفة بكثرة مكاشفاتها وسرعة إجابة رقيتها أطال الله عمرها، أما خديجة بنت الخرش ولد عبد الله الحاجية الجكنية ولية وصالحة قيل أنها قالت لمصحفها أنها مشتاقة له فرد عليها أنه كذلك مشتاق لها.
وتضمن القسم الخاص بالنساء الشاعرات الموريتانيات العديد من الأسماء منها: آمنة بنت محمدو ولد المعلي الحسنية، وهي حافظة لكتاب الله وشاعرة مجيدة، توفيت عام 1973م، وآدية بنت محمد ولد اب ولد اسليمان المعروفة بإبداعها في الشعر الشعبي والتي توفيت في العام نفسه، ومن بين الشاعرات اللائي عرفن بإبداعهن للشعر الشعبي الموريتاني أيضًا الصغرى بنت المختار ولد محمد ولد حمدان الغلاوية والتي توفيت عام 1995م، ودُفنت في اكصير النحلة باترارزه. أما القسم الخاص بالنساء الطبيبات فقد سجل المؤلف أولئك الشهيرات بممارسة الطب التقليدي بموريتانيا، مثل: آمنة بنت المقاري العلوية وهي طبيبة تقليدية في الحوض الشرقي، ومريم محجوبة بنت الشيخ محمد بن نزيل بن محمد الامين بن الشيخ المصطف المولودة عام 1950م، وهي- كما يذكر المؤلف- طبيبة تقليدية شافية اليد وولية صالحة مجابة الدعوة ودوامة على العبادة، نفع الله بطبها كثيرًا من المسلمين، فشفى الله به كثيرًا من الأمراض المستعصية على الأطباء، ولها عيادة موجودة في مقاطعة مقطع لحجار تطبب فيها المرضى. توفيت آمنة عام 2013، ودُفنت في شلخة الكبش بمال في البراكنة، وقد رثاها مجموعة من الشعراء والأدباء. أما النساء الكاتبات فيعني بهن المؤلف اللواتي كتبن في مجال أدبي، أو أي مجال آخرمن العلوم، وهن كثيرات مثل: أخت البنين بنت محمد الامين ولد اباه السباعية وهي أديبة وباحثة لها كتاب «قيد الأوابد من الأمثلة الحسانية ذات الفوائد». ومن أمثال الكاتبات أيضًا: خدى بنت همام من قبيلة أولاد بو علي وهي من مواليد 1950م، بادرار، أديبة وشاعرة مهتمة بالتراث الثقافي ، ولها مؤلفات منها «أوراق أيامي.
أما القسم الأخير الذي جاء بعنوان «نساء لهن محاظر» فقد اعتمد المؤلف في حصرهن على لائحة كتابة الدولة لمحاربة الأمية.. واتبع نفس المنهج الذي أخذ به من البداية في كتابة أسمائهن وهو التسلسل الأبجدي، ونذكر منهن: أخت البنين بنت أحمد سالم ولد احمد خليل حافظة لكتاب الله وكانت لها محظرة تدرس بها، وأم كلثوم بنت محمد مولود ولد تاي كانت لها محظرة تدرس بها القرآن الكريم بالميناء توفيت رحمة الله عليها 2006م ودفنت في نواكشوط، الباتول بنت محمد ولد ابت كانت حافظة لكتاب الله ولها محظرة توفيت رحمها الله في السبعينات، عيشة بنت محمد ولد أحمد ولد أحبيب الايدكبهنية. كانت لها محظرة تدرس بها وهي عالمة خطاطة ومدراسة (توجد قصة المعراج بخطها في المعهد الموريتاني للبحث العلمي)، فاطمة بنت آبو الجيجبية كانت لها محظرة تخرج منها الكثيرون منهم العلامة الباحث المرحوم محمد المصطفى ولد الندى، فاطمة الغالية بنت الشيخ محمد فاضل الملقبة غاليت كانت حافظة لكتاب الله كما كانت لها محظرة تدرس بها كافة العلوم.
عادات الزواج في موريتانيا
يعد هذا الكتاب هو الإصدار الأول لسلسلة حول الثقافة النسوية غير المادية بموريتانيا التي يدعمها المعهد الموريتاني للبحث العلمي والذي صدر عام 2005 بعنوان «عادات الزواج» وبدعم آخر من اليونسكو مكتب الرباط، وترقية الثقافة النسوية غير المادية في موريتانيا. ويقع الكتاب في 76 صفحة من القطع المتوسط. ويشمل الكتاب نصوصًا تتعلق بتربية البنات والعناية بهن، جسديًا ومعنويًا، وبعادات الزواج كما كانت سائدة في المجتمع الموريتاني التقليدي. ويشير إلى غنى وتنوع الثقافة النسائية ودورها الكبير في أرض الرجال.
والكتاب موجه أيضًا للجمهور العام، ويتجلى ذلك من بساطة العرض، وتنوع الموضوعات الخاصة بالزواج رغم صغر حجم الكتاب الذي تناول موضوعات: تربية البنات- البحث عن الجمال- اصناف التسمين ومضارها- تعلم البنات- المراحل العمرية بالنسبة للمرأة- العزبة- لمسولفه- المرأة الصادغة- زينة وحلي المرأة- حسن التربية- ضفر شعر الرأس- تصميم أزياء النساء- الألعاب الخاصة بالنساء. ثم ينتقل لتقسيم عادات الزواج إلى: الخطبة- العقد- الصداق (المهر)- العرس- التكداح (تقديم وجبة الزفاف)- ارحيل- التعياد (هدية العيد)- المرظ (إرضاء المرأة المغتاظة)- لحريش (مواساة المطلقة)- النفاس- العقيقة- اختيار الاسم.
وعلى هذا النحو يشمل الكتاب- على صغر حجمه- مادة أشبه بالموسوعية، تمكن القارئ العربي من التعرف على التراث الموريتاني في أسلوب مبسط وشيق في آن.. فنقرأ معلومات شديدة الأهمية منها أنه عند ميلاد البنت تتم معالجة جسمها من طرف النساء الحكيمات فيما يخص التجميل والتسمين (البلوح) وأدوات الزينة، ويبدأ التعليم الأساسي للبنت من سن السادسة بالتلقين والمحاكاة لجميع نواحي الحياة في هذه المرحلة التي يطلق عليها (طفلة) ثم تبدأ مرحلة عمرية أخرى وهي (العزبة) حيث تختلف حلاقة شعر رأسها باختلاف المجموعات المحلية التي تنتمي إليها. وتبدأ مرحلة (لمسولفة) وهي مرحلة عمرية تصلها البنت فتصبح سوالفها هي التي تُضفر أولاَ، ومن ثم تتميز بتدلي شعر الرأس من الأذن حتى «لمناشع»، وتمنع لمسولفة من رفع الصوت، والتجرد من اللباس والقدوم على الأجانب الذكور، وتتعلم الكلام بهدوء. أما (الصادغة) فتطلق على المرأة التي بلغت قمة النضج وتبدأ في استخدام أنماط أخرى من الحلي تميز مرحلتها العمرية. ومن الألعاب المرتبطة بالبنات والنساء عامة لعبة «السيكَـ» و»اكرور»، وأهم لعب البنات قائم على التمثيل إذ تقوم فيه البنات بدور الأمهات، والأولاد الصغار بدور الرجال، ويصنعون خيامًا من القماش وجمالاً من الخشب أو الطين، وباقي متاع البيت والحيوانات كل مصور بصور تمثيلية، ومن ثم يقيمون احتفالات تمثيلية وأعراسًا وغير ذلك من الأنشطة الاجتماعية التي يقوم بها الكبار ويسمى هذا اللعب «الأوزار».
ثم تتداعى فصول الكتاب لتعرض لمراحل الزواج التي تبدأ بالخطبة، حيث تبدأ- في بعض الجهات- مراسيم الخطبة مبكرًا بتحضير الأم لابنتها المولودة حديثًا ما يسمى بـ «حقيبة العروس» حيث لا تترك الأم- على مدى سنوات- فرصة إلا اغتنمتها لزيادة وإغناء حقيبة ابنتها في انتظار حفل الزفاف الموعود. وقد يتقدم الرجل لطلب العروس من أهلها، أو يكلف والديه لطلب يدها، أو يكون أمر خطبة الفتى باقتراح من أبويهما. ويتولى عقد الزواج إمام المسجد بحضور شيوخ العائلة، ثم يبدأ احتفال الزواج من الجانبين بمشاركة الأهل والجيران. ويختلف قيمة مهر العروس باختلاف المناطق والجهات. وتتولى تنظيف العروس امرأة لم تفارق بيت الزوجية، وقبل خروج المرأة إلى منزل زوجها، يتعين على أهل الزوج أن يدفعوا مبالغ نقدية. فينبغي للزوج أن يعطي ثوبًا لحماته وآخر لخالة زوجته، ومبلغًا لزميلات العروس. كما أن أعمام الزوجة يطلبون حظًا من النقود لأنهم هم الذين يحملون الزوجة على رقابهم. وتستمر مراسيم الزواج ثلاثة أيام، ومع نهاية كل يوم تعود العروس إلى أهلها لتنال نصيبها مجددًا من الزينة. ومن بين المراسم أيضًا ما يعرف بـ «التكْداح» وهو تقديم وجبة الزفاف عبارة عن مأدبة يقيمها أهل العروس يوم زفافها، وهي خاصة بأهل العريس وأقربائه. ثم يستطرد الكتاب في وصف متاع العروس (ارحيل) الذي يحمل على جمل إلى بيت العروس في احتفالية يشترك فيها الجميع.
ويرصد الكتاب بعض العناصر التي يتجلى فيها قيمة المرأة مثل «التعياد» وهو مبلغ من المال أو بعير أو جمل أو ثور أو كمية من اللباس يرسلها الزوج إلى أهل زوجته يوم العيد، وما يعرف بـ «المرظ» وهو إرضاء الزوجة المغتاظة التي تركت بيت الزوجية، إذ على الزوج في بعض الأحيان أن يدفع شيئًا من المال عند إرضاء زوجته حتى يقنعها بالعودة مرة أخرى. وإذا طُلقت المرأة يقام لها حفل يسمى «لحريش» أي مواساة المطلقة، وقد يكون بين الحفل من كان يرغب- أو كان يُظن أنه يرغب- في الزواج من هذه المرأة المطلقة. وتنتهي هذه الجولة برصد العادات والمعتقدات المرتبطة بالمرأة في مرحلة «النفاس» وكيفية العناية بنفسها وبطفلها، وكذا احتفالية «العقيقة» الخاصة بالطفل في يومه السابع. أما اختيار اسم الوليد فيخضع شكليًا لنظام القرعة «لوح العود»، وتخضع عملية القرعة هذه لجمع سبعة أعواد بسبعة أسماء تُغمس في اللبن- إن وجد- أو في التراب، ويكون من بينها الاسم المختار أصلاً. وغالبًا ما يسمى الوليد باسم أحد الأقارب أو المشاهير أو الصلحاء.
الموسيقى الموريتانية
سبق وأن عرضنا لهذا الكتاب في العدد الثامن من المجلة، وهو الكتاب الوحيد الذي وصلنا منذ بدأنا في هذا الباب عام 2008، وقد صدر في العام نفسه عن إدارة الثقافة والفنون بموريتنيا، وهو ما يؤكد حرصنا على تتبع إصدارات موريتانيا فور نشرها. وسنعيد هنا عرض الكتاب حتى يكتمل للقارئ ملفًا متوازنًا نسبيًا عن الثقافة الشعبية الموريتانية في عدد واحد. والكتاب بعنوان «الموسيقى الموريتانية» للسالك ولد محمد المصطفى، وهو من رواد البحث فى مجال التراث الموريتانى، والكتاب على صغر حجمه فهو يحوى مادة مهمة حول الموسيقى الموريتانية عامة والشعبية خاصة. ويشير المؤلف فى المقدمة إلى أن الشعب الموريتانى يتمتع بتنوع كبير فى الأنشطة الموسيقية تنوعاً يوازى تنوع البلد الاجتماعى، فإذا كانت المجموعات العرقية الأربع الرئيسية المكونة للشعب الموريتانى حسب الأهمية فيما يطلق عليه: البيظان، التكرور، السراغلة، والوولف، لكل منها ثقافته الخاصة، فإنه يتعين على الباحث أن يميز – ضمن هذه المجموعات نفسها ذات التراتبية العالية – بين مختلف المكونات الفرعية لكل مجموعة، وخاصة الطبقات المغلقة داخلها، والتى لكل منها إنتاجاتها الموسيقية الخاصة والملائمة لمهنها الاجتماعية مثل غناء الفلاحين، والرعاة والصيادين وأصحاب المهن التقليدية المتوارثة. ورغم وحدة العقيدة والامتزاج العرقى بين كل مجموعة، والمجموعات الأخرى فإن الآلات الموسيقية المستعملة من طرف كل طبقة تشكل آثاراً مادية للانشغالات الداخلية لكل طبقة على حدة. إن التداخلات الثقافية بين مكونات المجتمع الموريتانى تبرز أساساً فى الموسيقى حيث نجد أن هذه المجموعات العرقية الأربع كلها تتوفر على طبقة من الموسيقيين المحترفين ويسمون عند البيظان بـ «إيكاون» وعند التكارير بـ «كولو» وعند السراغله بـ «كزر»وعند الولف بـ «كولو». ثم يشرح المؤلف مفهوم موسيقى «إيكاون» والتى تتضح فيها الخلفية الإسلامية العربية وخاصة الأندلسية وشمال إفريقيا. ثم يتعرض للمقامات الموسيقية الموريتانية وبحورها موضحاً أن مقامات هذه الموسيقى الأربع كل واحدة منها موزعة إلى ثلاث طرق أو ثلاثة أنغام: بيضاء موجهة إلى البيض، وسوداء موجهة إلى السود، وزرقاء موجهة إليهما معاً وهى أقوى من كل منهما على حدة. كما تعرض المؤلف لعلاقة الموسيقى بالشعر الشعبي مشيراً إلى أنها علاقة عضوية، فالمقام الموسيقي لا يكتمل أداؤه نهائياً إلا إذا أنشد معه البت الوزن العروضي من الشعر الشعبي الذي يلائمه بل إنهم قد أوصلوا المسألة إلى الشعر العربى الفصيح، ومن ذلك توزيعهم للشعر الشعبى بين مجموعتين: الأولى، مجموعة ابتوتت لحراش «التقاء الساكنين وتيمى لبتوته لكبار». والثانى، المجموعة الخالية من لحراش التى لا يلتقي فيها ساكنان وهى مجموعة لبتيت.
أما الآلات الموسيقية فيقدم لها السالك ولد محمد من خلال بعض النماذج ومنها آلة «التيدنيت» وهى آلة تحليلية للنغمات يمكنها أن تعطى أجزاء دقيقة من النغمة وأوتارها ما بين 4 إلى 5 وهى صناعة محلية. أما «آردين» فرغم كثرة أوتاره تضرب فيه الظهور ولا توضح فيه الجوانب ويسمى «جامع أنكاره». ويقسم المؤلف المدارس الموسيقية الموريتانية إلى ثلاث مدارس، الأولى هى مدرسة الشرق (الحوض الشرقى والغربى)، والثانية مدرسة الوسط (تكانت ولبرانكه)، والثالثة مدرسة الغرب (اترارزة). ويشير المؤلف إلى أن الموسيقى الموريتانية تنقسم إلى قسمين:
- الموسيقى الاحترافية.
- الموسيقى الشعبية.
وتتميز الأخيرة بكونها تنطبع بطابع العفوية والبساطة والتركيز على الجانب الكلامى لا إلى طبيعة النغم الموسيقى رغم أن أصحابها يستخدم الكثير منهم العديد من الآلات والأدوات الموسيقية الوترية والإيقاعية والنفخية ومنها:
الأمداح النبوية التى تقام من طرف الأئمة والفقهاء فى الأعياد الدينية بدون آلات موسيقية مع تلحين خاص يسمى الضرب.
الأمداح الشعبية: وتقام أيضاً فى المناسبات الدينية والمناسبات الخاصة على عزف آلة النيفارة ويحكى عليها الكثير من الأدب الشعبي المتعلق بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومناقب أصحابه.
الحفلات الصوفية: يقوم بها تلامذة الزواى الصوفية وتلحن فيها الأذكار والمواجد ومناقب الأشياخ.
الموسيقى الشبابية: وتقام فى مناسبات الأعراس والخريف.
موسيقى الرعاة: تقدم على آلة الزواوى بغرض محاكاة الطبيعة، وقد يتحول الحفل إلى الاستماع للراعي وهو يحكي القصص الاجتماعية. 5- فن اطبل: ومنه نظام الطبل الكبير وحفلات اطبول بمباره فى تيشيت.
وفي نهاية هذا الملف أكرر الدعوة إلى الباحثين والدارسين في حقل الثقافة الشعبية الموريتانية، ليرسلوا لنا بعضًا من إنتاجهم المنشور، حتى يتم التواصل بالشكل اللائق مع هذه البقعة العزيزة من أرض الوطن الكبير؟..
احلام ابو زيد،كاتبة من مصر