في الحسانية، كما في كل لغة أو لهجة، كلمات دخيلة تتلقى ترحيب اللغة المضيفة فتقوم بدمجها بسرعة لأسباب مختلفة. وإذا كانت الحسانية عبارة عن مزيج من العربية والبربرية والآزيرية والولفية والبولارية والسونينكية والبمبارية وبعض اللهجات المجهولة أو المنقرضة، فقد استقبلت، بحكم التعايش، مفردات من الفرنسية أصبحت جزءا لا يتجزأ منها: بعضها معروف لا يحتاج الإشارة (مثل الفرنه والفور...) وبعضها غير بديهي لأنه ذاب في "كلام البيظان" بحيث احتفت معالم علاقته بلغته الأم. نعرج في عجالة على ثلاثة أمثلة في انتظار تناول أمثلة أخرى:
1- لنْسَتْ: هي، على العموم، صفيحة رقيقة تدعى الشفرة وتستخدم للحلاقة. و"لنسَتْ" بالذات هي أول شفرة وصلت هذه الأرض عرفت باسم علامتها التجارية: "7 Lame" أي شفرة "لام 7" شأنها في ذلك شأن ماركة 007 لبعض البنطالات القصيرة وماركة سيكو 5 لبعض الساعات. وقد أطلق الناس اسم "لام 7"، بلفظها الفرنسي، مع تحريف بسيط، على كل الشفرات مهما كانت ماركتها.
2- تيْفايْ: التيفايْ هو البائع، المتجول أساسا، أي أنه ليس صاحب حانوت. وقد دخلت هذه اللفظة إلى الحسانية منتصف القرن التاسع عشر مع دخول الشاي الأخضر إلى ما سيعرف بـ"موريتانيا". كانت الشركات التجارية الفرنسية المتمركزة بسان الويس (اندر) تتعاقد مع وسطاء بيظان لترويج الشاي شمال النهر. ومثل كل الباعة المتجولين، كان هؤلاء، كلما مروا بخيمة أو حي، يصرخون مرددين:
Thé vert, Thé vert
أي: "الشاي الأخضر، الشاي الأخضر"، كما يفعل اليوم باعة الرصيد (مع اختلاف في الآليات). وكانت عبارة "تي فير" الفرنسية مشهورة لدى شركات الاستيراد بسان الويس تلوكها ألسنة التجار والمستهلكين أنذاك. إذن كان الوسطاء، في بحثهم عن زبناء محتملين داخل "اتراب البيظان"، يرددون: "تي فير، تي فير". فكان الناس يقولون مثلا: "جاكم تيْ فايْ"، "وينهو التيفايْ"، ثم صنعوا من الكلمة جمعا (التيفايَه). وأصبحوا يسمون باعة الشاي الأخضر "التيفايه" في محاكاة صياتية للإسم الفرنسي الذي يسمعون. ومع رواج البضاعة، أصبح باعة الشاي يأتون معهم ببعض المواد الخفيفة كالأمشاط والمرايا المدورة والعطور. ومع مرور الوقت أصبح التيفايْ هو كل بائع متجول أيا كانت بضاعته.
نذكر أن الشاي في بدايات دخوله كان خكرا على الطبقة الأرستقراطية وكبار التجار والوجهاء. وذكر الباحث الفرنسي ألبير لوريش أنه راج في البلاد ما بين 1858 و1875. وأكد المؤرخ العلامة المختار ولد حامدن أن رجلا من بطن أولاد البكّار (قبيلة أولاد بسبع) يدعى عبد المعطي كان أول من استورد مادة الشاي وكان يوزعها في هذه الربوع حوالي 1875. وقد أثار دخول الشاي جدلا واسعا بين الفقهاء الموريتانيين فمنهم من حرم استعماله ومنهم من أجازه، فانتشرت عشرات الفتاوي المتعارضة في شأن هذه "النازلة الفقهية العجيبة".
3- امبسكيت سرغلّه: لا علاقة إطلاقا لهذه البسكويت بالسونينكي (سرغلّه) فأصل الكلمة:
Biscuit cerclé
أي البسكويت المدوّر لأن هذه المادة كانت على شكل دائرة صغيرة، وكان الفرنسيون يطلقون عليها الـ Biscuit serclé فأخذها البيظان بنفس اللفظ مع قليل من التحريف.