لقد عرفت الدولة الموريتانية عند إستقلالها عن المستعمر الفرنسى تحديات جسيمة يأتي في مقدمتها : شح الموارد و غياب البنية التحتية الضرورية للتنمية و النقص الحاد فى الكوادر البشرية المؤهلة و العجز الكبير في الموازنة العامة التي كانت طوال فترة الستينات بحاجة ماسة إلى الدعم الخارجي ، خصوصًا بعد موجة الجفاف التي ضربت المنطقة بين (1969-1973) مخلفة ورائها تداعيات كارثية على الوضعين الإقتصادي و الإجتماعى للبلد،أصبحت تشكل فيما بعد خطرًا حقيقيًا على مستقبله السياسى .
من أجل مواجهة التحديات ، كان لزامًا على حكومة الإستقلال مدعومة من نخب سياسية وطنية أن تتخذ إجراءات صارمة و إستعجالية لإصلاح الوضع و العمل على تحسين ظروف المواطنين داخل الوطن و تأمين إحتياجاتهم الضرورية.لذلك فقد تمت الإستجابة لهذه المطالب بتأميم ميفرما و إصدار العملة الوطنية( الأوقية) لقد لقيت هذه القرارات الوطنية الشجاعة إستحسانا كبيرًا و تأييدًا شعبيًا واسعًا داخل البلاد و خارجها ، كما كان لها الأثر الطيب بالدفع بعجلة النمو الذي أرتفعت معدلاته بشكل لافت بين سنوات 1973-1975م. غير أن حرب الصحراء قد قوضت تلك الجهود و أستنفذت كل موارد الدولة التي أصبحت في أواخر السبعينات غير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها الخدمية الأساسية نتيجة لإرتفاع نفقاتها على هذه الحرب .
و عملا على الخروج من هذا المأزق ، فقد لعبت نخبًا سياسية و فكرية وطنية أدوارًا مهمة في التعبئة و التحريض على إحداث التغيير المطلوب ، فكان إنقلاب 1978م الذي أطاح بأول تجربة للحكم المدني في موريتانيا و إقامة النظام العسكرى الذي أستمر إلى بداية التسعينات .
و أمام تطور الوضع الدولى آنذاك المتسم بالعولمة و بالنظر للمطالبة الداخلية الملحة بإضفاء مزيد من الإنفتاح السياسى في الحياة العمومية و ضرورة إشراك السكان فى تسيير شؤونهم المحلية، فقد قامت نخب واسعة من الطيف السياسى الوطني من مشارب مختلفة بالإنخراط بشكل جدي في التعبئة الشاملة للعودة للنظام الديموقراطي الذي أصبح تعدديًا و شاركت بشكل فاعل في الإستحقاقات الرئاسية و التشريعية و البلدية سنة 1991م و أنضم البعض منها لنظام الحكم الذي تشكل في أعقاب تلك الإنتخابات.
و رغم المكاسب التي تحققت من خلال تلك التجربة على مستوي الحريات العامة و خاصة فى مجال تنظيم الأحزاب ، فإن البلاد ظلت تعانى من إختلالات هيكلية معيبة ، أزدادت صعوبة للأسف الشديد خلال العشرية الماضية بإستفحال الأزمة السياسية بين الفرقاء السياسيين التي كادت تعصف بوحدة البلد و إستقراره و كانت قاب قوسين أو أدني من تمزيق نسيجه الإجتماعى.
و لتجاوز هذا الوضع الصعب تنادت أصوات من جهات شتي تقف ورائها نخب سياسية و عسكرية و فكرية و دينية مطالبة بترشيح السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لرئاسة الجمهورية بإعتباره رجل المرحلة المعول عليه في إخراج الوطن من عنق الزجاجة و ذلك لإعتبارات عديدة يضيق المقام هنا عن ذكرها .
و قد تمكن الرجل الذي فاز في الإنتخابات لسنة 2019م بنسبة52بالمائة من الأصوات ، من محو الآثار السلبية للأزمة و حقق تهدئة سياسية غير مسبوقة و وضع حدا نهائيا للتدهور الإقتصادي و فتح المجال لمعالجة مختلف المظالم و أطلق برنامجًا طموحا لإصلاح الدولة و مؤسساتها ، و أعاد الإعتبار إلى منظومتنا القيمية التي تضررت كثيرا.
لهذه الأسباب ، فقد كان موضع تقدير كبير من طرف النخب السياسية و الفكرية الموالية و المعارضة لنظام الحكم على حد سواء . و نحن من موقعنا كمتابعين للشأن السياسى و تطوره في الدولة الموريتانية الحديثة ، نعتبر أن وقوف المعارضة التقليدية وراء الميثاق الجمهوري و إعلان دعمها للإصلاحات التي أطلقها الرئيس يعتبر نقطة تحول تاريخي في نضج تجربتنا الديموقراطية لأن الولاء للوطن و صون إستقلاله و الدفاع عن وحدته و سلامة أراضية و كرامة شعبه يجب أن يكون فوق كل الإعتبارات .
فماهي ياتري التكلفة السياسية التي تسعي الأطراف الموقعة علي هذا الميثاق الحصول عليها من ورائه و هل يلبي كل الطموحات السياسية و الإستيراتيجية لمختلف الفاعلين فى المشهد السياسي الوطني ؟
الأكيد أن رعاية الحكومة للتوقيع علي هذا الميثاق يؤكد من جديد على نجاعة مقاربة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني خصوصًا فيما يتعلق باليد الممدودة و الحوار الصريح و البناء مع مختلف أنواع الطيف السياسى وعلى إلتزامه المبدئي بكل ما يخدم موريتانيا و يحقق رفاهية شعبها و وحدتها الوطنية التي هي محددات رئيسة في نظرته لإدارة الحكم و شؤونه.
و أعتقد أنها رسالة قوية ستكسبه مزيدًا من التأييد الشعبي الذي يؤدي في النهاية إلي الإنتصار على كل الخصوم .