في الآونة الأخيرة، شهدت موريتانيا تشكيل حكومة جديدة بقيادة الوزير الأول ولد انجاي، والتي تم عرض برنامجها على البرلمان للمصادقة عليه. هذه الحكومة تواجه تحديات جسيمة، أبرزها محاولة استعادة الثقة المفقودة بين المواطن والدولة، خصوصاً بعد تجارب حكومية سابقة أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
هل المصادقة على برنامج الحكومة سيغير واقع المواطن المزري؟
لكي نجيب على هذا السؤال، يجب أن نبدأ بتقييم الوضع الحالي. المواطن الموريتاني يواجه صعوبات متعددة على مستوى المعيشة اليومية؛ من تضخم الأسعار إلى قلة فرص العمل، وضعف البنية التحتية، وغيرها من التحديات. وعلى الرغم من وعود الحكومات السابقة، إلا أن النتائج على الأرض كانت في كثير من الأحيان دون المستوى المطلوب.
برنامج الحكومة الجديدة، كما تم عرضه في البرلمان، يحتوي على عدة محاور تهدف إلى تحسين الاقتصاد الوطني، تطوير البنية التحتية، وتوفير فرص عمل جديدة. إذا تم تنفيذ هذه الوعود بشكل جاد ومدروس، فمن الممكن أن يساهم ذلك في تحسين الواقع المعيشي للمواطن العادي. ولكن، هذا يعتمد على عدة عوامل، من بينها:
1. التنفيذ الجاد للبرنامج: الحكومات السابقة كانت تقدم خططًا طموحة، لكن التنفيذ غالباً ما كان يتعثر بسبب الفساد، البيروقراطية، وقلة المتابعة.
2. التمويل الكافي والمستدام: إن تحسين الأوضاع يتطلب موارد مالية كبيرة، وإذا لم تكن هناك خطط واضحة للحصول على هذه الموارد، فإن تحقيق الوعود سيظل مجرد حلم.
3. الاستقرار السياسي والاجتماعي: الأوضاع السياسية المتوترة، أو التحديات الاجتماعية مثل البطالة والفقر، قد تشكل عائقًا كبيرًا أمام تنفيذ البرنامج الحكومي.
هل ستعيد الحكومة الثقة المفقودة؟
الثقة بين المواطن والحكومة تعتبر من أهم الركائز لأي نظام سياسي ناجح. في موريتانيا، تعرضت هذه الثقة لتآكل شديد على مر السنوات، نتيجة لسوء الإدارة والفساد، وتكرار الشخصيات نفسها في الحكومات المتعاقبة دون تغيير حقيقي في السياسات أو الوجوه.
المصادقة على برنامج الحكومة لا تعني بالضرورة إعادة الثقة فوراً. فالمواطنون أصبحوا أكثر تشككاً نتيجة للوعود التي لم تنفذ. الثقة تتطلب خطوات ملموسة على الأرض، بدءاً من تقديم الخدمات الأساسية بكفاءة، مروراً بمحاربة الفساد بجدية، وصولاً إلى خلق مناخ يسمح بمشاركة الجميع في عملية التنمية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من الشخصيات التي تشكل جزءاً من هذه الحكومة الجديدة، كانت بالفعل جزءًا من حكومات سابقة. هذا الأمر يعزز من تشكك المواطن في حدوث أي تغيير حقيقي. الناس يشعرون بأن الوجوه تتغير ولكن السياسات تظل ثابتة، وهذا ما يجعل عملية استعادة الثقة أكثر تعقيداً.
تكرار الشخصيات ذاتها: تحديات أمام التغيير
أحد أكبر التحديات التي تواجه حكومة ولد انجاي هي وجود شخصيات معروفة بتكرار ظهورها في مختلف المناصب الحكومية، دون أن تحقق أي تقدم ملحوظ. المواطنون يرون في هذه الشخصيات رموزاً للفشل السابق، ووجودهم في الحكومة الحالية قد يقلل من آمالهم في حدوث تغيير حقيقي.
الحكومة بحاجة إلى تبني سياسات جديدة وفعالة تُظهر للمواطن أن هذه الشخصيات ليست مجرد أسماء في مناصب، بل هم قادرون على تحقيق تغيير حقيقي. وهذا يتطلب قياس الأداء الحكومي بطرق شفافة وإشراك المواطنين في مراقبة عملية التنفيذ.
المصادقة على برنامج حكومة ولد انجاي تمثل فرصة جديدة لموريتانيا للخروج من واقع اقتصادي واجتماعي صعب. ومع ذلك، فإن هذا البرنامج لن يكون له تأثير إيجابي ما لم يترافق مع تنفيذ جاد وفعال، وتغيير حقيقي في السياسات والأشخاص. المواطن بحاجة إلى أن يرى نتائج ملموسة على الأرض قبل أن يعيد ثقته في الحكومة.
وفي النهاية، فإن التغيير يتطلب إرادة سياسية قوية، وشفافية في العمل، ومشاركة مجتمعية واسعة. بدون هذه العوامل، ستظل الحكومة تواجه نفس التحديات التي واجهتها الحكومات السابقة، وسيبقى المواطن في حالة انتظار للتغيير الذي طال انتظاره.
محمد احمد حبيب الله