خصّ محمد ولد كعباش، وهو ضابط صف سابق في الجيش الموريتاني، وكالة الساحل ميديا بلقاء مطول، شرح فيه الأسباب الكامنة التي جعلته يبعث برسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي طالبا منحه وأسرته حق اللجوء في إسرائيل، معتبرا أن ذلك كان ردا منه على الظلم والاضطهاد الذي تعرض له في بلده، خاصة بعد أن وجّهت له المخابرات العسكرية الموريتانية تهمة التعاون مع تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وتلقيه أموالا من طرف التنظيم مقابل تزويده بمعلومات عن تحركات الجيش، وهي التهمة التي أثبتت التحقيقات لاحقا براءته منها.
وقال محمد ولد كعباش في بداية حديثه أنه دخل الجيش الموريتاني في عام 1987 وأن قراره ذاك جاء عن قناعة وإيمان مؤكدا أنه عمل طيلة ال 25 عاما في خدمة وطنه بجد واجتهاد، ولم يدر في خلده يوما أنه سيقوم بعمل يمس سيادة بلده أو أمنه واستقراره، لكن "مأساته"، كما سماها بدأت في شهر مايو 2011. حين لاحظ في صبيحة أحد الأيام، عندما كان يؤدي عمله كرجل أمن في مطار النعمة، هبوط طائرة عسكرية قادمة من انواكشوط وعلى متنها ضابط في الجيش الموريتاني هو النقيب المعلوم ولد ابوه، ثم بعد برهة تفاجأ بوجود قائد المنطقة العسكرية الخامسة الرائد سيدينا ولد سيدي هيبة بالمطار برفقة النقيب المهدي وهو ضابط في الاستخبارات العسكرية، وطلبوا منه الصعود إلى الطائرة ثم اخبروه بأن قرارا عسكريا صدر من جهة عليا أمر بنقله إلى انواكشوط مقيدا، دون أن يوضحوا له أي مبرر لذلك.
ويسترسل ولد عكباش في التفاصيل قائلا إن النقيب المعلوم ولد ابوه الذي أرسل لاستجلابه، أمر بتفتيشه تفتيشا دقيقا ثم طلب من مساعديه أن يقيدوه بحبل، عندما لم يعثروا على اكلبشات الحديد المخصصة للاعتقال ، وأضاف أن يداه وضعت خلف ظهره ثم قيدت رجلاه بطريقة لا إنسانة، ثم نقل إلى نواكشوط وهو على هذه الحالة مدة الرحلة التي استغرقت أربع ساعات، وهو ما تسبب له في حدوث ندب وجراح عميقة على معصميه وساقيه لا تزال آثارها بادية على جسده حتى الآن.
وعند وصوله إلى انواكشوط نقل فورا تحت حراسة أمنية مشددة إلى قيادة الأركان الوطنية حيث احتجز هناك في غرفة ضيقة ومتسخة ومليئة بالبعوض والحشرات اللاسعة ، ويستطرد قائلا والدموع تسيل من عينية ، بعدما رموني في تلك الزنزانة القذرة بطريقة مذلة ودون أن يوجهوا لي أي تهمة شعرت بالمهانة والمرارة وأحست بالضيق، وأدركت أن كرامتي لم يعد لها وجود. وفي وقت متأخر من تلك الليلة عاد إليه أحد الضباط وقال له أنت متهم بالتعامل مع القاعدة وبتلقي أموال من طرفها مقابل إعطائها معلومات عن الجيش الموريتاني وعن تحركاته ، ونشاطاتك كلها مرصودة ومكالماتك مسجلة. يقول ولد كعباش عندما القي علي تلك التهمة وسمعت كلامه شعرت بالصدمة لهذه الاتهام الغريب لكنني شعرت في نفس الوقت ببعض الراحة لأني علمت سبب وجودي في هذه الوضعية المزرية.
وفي اليوم الرابع لاحتجازه استعدي من طرف مدير الاستخبارات العسكرية محمد ولد ممادي الذي وصفه بالشخص اللبق ، فدخل عليه وبرفقته مجموعة من الضباط ، وحققوا معه تحقيقا مطولا وشاملا، ومن أبرز الأسئلة التي طرحت عليه في تلك الجلسة هو ما إذا كان على معرفة أو صلة بالمصطفى ولد الإمام الشافعي ، وهل التقى به من قبل؟ . فرد بأنه لا يعرف ولد الإمام الشافعي إلا من خلال وسائل الإعلام.
وبعد تلك التحقيقات المكثفة أعيد للزنزانة المخصصة له في قيادة الأركان ، وظل فيها ما يزيد على شهرين تأثرت صحته كثيرا بسبب تلك الظروف ونقل إلى المستشفى لتلقي العلاج ، ثم استدعي من جديد من طرف ضباط المخابرات العسكرية واخبروه أن الجيش اصدر قرارا بتبرئته من تهمة الانتماء إلى تنظيم القاعدة أو أي تنظيم إرهابي ، مع أن القرار تضمن قيامه بنشاطات لا تتناسب وموقعه العسكري. وطلبوا منه العودة إلى المؤسسة العسكرية ، لكنه رفض العرض إلا إذا تم التحقيق في الظروف والملابسات التي أودت به إلى السجن ، ومعرفة من يقف خلفها ومحاكمته. وبعد ثلاثة أشهر وثمانية عشر يوما سجنا تم الإفراج عنه وإبلاغه بضرورة تجنب الجهات غير المسؤولة ، أي تجنب الإثارة الصحفية.
لكن ولد كعباش الذي خرج من سجنه بدون حقوق، يقول عن نفسه أنه كان يؤمن بقضية وهذه القضية غابت الآن بعد أن دمرت في نفسه بطريقة لا إنسانية، وأضاف أن الوقت قد حان ليخرج عن صمته" ، فبدأ بمراسلة جهات عليا في الدولة الموريتانية ، مثل قيادة الأركان ورئيس مجلس النواب وأخيرا رئيس الجمهورية ، لكنهم تجاهلوا رسائله ، وعندما أوصدت في وجهه الأبواب وشعر بالظلم والغربة في بلده، اتخذ قرارا بتوجيه طلب إلى رئيس وزراء إسرائيل راجيا منه منحه حق اللجوء السياسي، بل وأكد في مقابلته التي خص بها الساحل ميديا اليوم أنه يرغب في الحصول على الجنسية الإسرائيلية ، ليس لأنه يحب إسرائيل بل لأن إسرائيل بلد يحترم مواطنيه ويحترم حقوقهم وكرامتهم وهذا ما يبحث عنه بعدما فقده في وطنه، على حد وصفه.
وفي رده على سؤال يتعلق بوجهة نظره حيال تنظيم القاعدة قال ولد كعباش إن قضية القاعدة في موريتانيا هي قضية مفتعلة خلقها أباطرة تجار المخدرات الذين يستقرون حاليا في انواكشوط بشكل سري، مضيفا أن عملية " لمزرب" التي قام بها الجيش الموريتاني كانت ضد عصابة مخدرات تابعة لرجل أعمال من جمهورية مالي يدعى الكنسي. مشددا على أن قضية اتهامه شخصيا بالتعاون مع تنظيم القاعدة مبنية كلها على مسألة واهية ولا تتمتع بأي مصداقية "وهي تتعلق بزيارة قمت بها رفقة رجل أعمال موريتاني يدعى ولد بولمساك إلى قرية مالية تسمى ليرا حيث التقينا هناك بتاجر سيارات من عرب مالي"، موضحا أنها كانت زيارة عادية وعلنية رفقة شخصية معروفة، وأضاف أنه لم يدخل الأراضي المالية سوى هذه المرة، أو في سنة 2000 عندما ذهب لزيارة بعض الأقارب هناك. وحذر ولد كعباش في ختام حديثه من الأسلوب المتعالي الذي تتبعه الشخصيات النافذة في الدولة الموريتانية وتجاهلهم لحقوق أفراد الشعب معتبرا أن ذلك سيولد ردة فعل لا تحمد عقباها.
من صفحة أبو بلال