جعفر ضابط شرطة عرف بين أوساط العامة والخاصة بتفانيه وإخلاصه في العمل، دخل الشرطة قبل ثلاث عقود من الزمن، وخدم في كل المجالات، وكلف بأكثر من مهمة شائكة عجز من سبقه وعاصره من المفوضين والضباط عن آدائها على الوجه المطلوب، وأنجزها جعفر، ونال بحسن سلوكه وأخلاقه العالية، وثقافته الواسعة القرب من رؤسائه، فكانوا يسندون إليه التقارير والإخباريات والدراسات التي تحتاج إلى شخص واع متطلع عارف بكل الجوانب الحساسة والدقيقة للجهاز.
واعتمدت عليه الإدارة العامة في تسيير أكبر المقاطعات وأكثرها حساسية من حيث الأمن والسياسة، لما تضج به من خلافات أديولوجية وعرقية بسبب النعرات والمشاكل التي تحركها الخلافات على الأرض إبان توجه الدولة إلى تأهيل الأحياء العشوائية، وقد عالج الضابط كل القضايا التي ترد إليه، رغم حساسيتها بروية وعناية حتى تمت عملية التأهيل بنجاح، بفضل سهره وحنكته في تطيب الخواطر، والمعاملة الطيبة التي كان يعامل بها الجميع مما جعله بين الكل محبوبا.
تعرض في عمله رئيسا على مفوضية عرفات لأكبر هجمة واعتداء من قبل همجية منظمة إيرا الغير مرخصة، وتعامل معها بكل عقل وتوئدة حتى خرج منها بهامة عالية للشرطة ما تزال مكسبا تفتخر به الإدارة العامة حتى اليوم.
ثم بعثته الإدارة العامة مفوضا لمقاطعة لكوارب ليكون عونا ومساعدا لمديرها الجهوي، والذي أولاه ثقته لما لامس فيه من تفان في العمل وإخلاص للوطن، وأكمل مأموريته على ما يرام من الحسن والكمال.
ثم بعثته بعد ذلك ليرأس مفوضية الشرطة في ازويرات، وفيها أيضا جابه بكل تعقل ورزانة التظاهرات التي نظمها عمال اسنيم، من غير أن يجرح ولا يخدش الحقوق المترتبة للعامل والتي يخولها له القانون، وفي الوقت ذاته حافظ على أمن المواطن وممتلكاته وهدوء الشارع العام.. وظل شعار الشرطة وعقلها الذي يذود عنها ويعمل على مصالحها وحفظ هيبتها, حتى أعيد إلى الإدارة العامة لتوكل إليها مهام أخرى أكبر عبئا وأكثر تعقيدا.
وقبل فترة وجيزة رأت الإدارة العامة أن مصلحتها في إعادة القلب النابض بالحيوية والإخلاص للوطن والمواطن إلى بؤرة القلاقل والمشاكل المتمثلة في مقاطعة عرفات، ليترأس مفوضية الشرطة فيها، وهي نفس المفوضية التي جابه منها الهمجيين،ودعاة الفوضى قبل فترة، وكسر شوكتهم .
ورغم كل ما يتميز به هذا الضابط من أخلاق رفيعة، وسمات وطنية رائعة،وما قدمه ويقدمه من عمل في ميدان الأمن العام والخاص، ورغم تعليمه العالي وثقافته الواسعة، ما تزال الإدارة العامة- رغم ثقتها فيه- مقصرة في حقه، حيث كان عليها أن تراعي تفانيه وإخلاصه وتعليمه وثقافته فيشفعوا له عندها فترفع من مكانته إلى مفوض أو مرتبة أعلى لأنه جدير بذلك ويستحقه، بدل من غيره من الشباب الذين يتقدمون عبر المراتب بسرعة البرق رغم مستواهم المتدني وأخلاقهم الرديئة.. لا لشيء .. وحتى تنصفه الإدارة العامة، كان عليها أن توشحه وترقيه قبل أن ترقي المفتش قائد السرية الثانية ضابطا، وقبل أن ترتقي بآخرين.. مفوضينوضباطا، لا يستحقون غير الطرد.