مرارة الاستقلال في ظلال التهميش..

جمعة, 11/29/2024 - 22:35

كان الخميس 28نوفمبر 2024 يوماً مشمساً، والشوارع تعج بالصبية الذين يتراكضون فرحاً، حاملين الأعلام على أكتافهم، وعلى رؤوسهم قبعات زاهية بلون الوطن. كانت هتافاتهم "الاستقلال! الاستقلال!" تتردد في الأجواء، تملأها حماسة بريئة، كأنهم لا يعرفون وجهتهم، المهم أنهم يركضون، يعبرون عن فرحة ربما لم يفهموا عمقها.

توقفت خطاهم أمام كوخ خشبي متواضع، وتحلقوا حول العجوز "حن" التي جلست كعادتها كل يوم على عتبة منزلها المهترئ. نظرت إليهم بابتسامة شاحبة، حاولت أن تخفي خلفها جبالاً من الحزن. غمرت مشاعرها مزيج من الفرح والمرارة؛ فرحة لرؤية أحفادها يهتفون بحب الوطن، ومرارة لما تحمله الأيام من شقاء لا يغادر أزقة حيها.

كانت العجوز تراقب الأطفال بحنين إلى أيام مضت، حين كان الاستقلال حلماً جميلاً في عيون جيلها. وكيف تحول ذلك الحلم الذي كان من المفترض أن يأتي بالأمان والكرامة إلى كابوس من الفقر والحرمان.. .استحضرت "حنة" بمرارة رحلتها اليومية من أجل كسب لقمة العيش، تتنقل في الطرقات وبين البيوت وهي تقاوم تعب السنين، في بلد يحتفل كل عام باستقلاله، بينما تتسع فيه فجوة التهميش.

الأحياء الفقيرة، بطرقاتها الضيقة ومنازلها التي بالكاد تقاوم الريح، تعكس وجه الاستقلال الذي لم يصل إلى الجميع. في احيائها يشعر الناس أن الوطن ليس سوى فكرة غامضة، يرفعون أعلامه يوم العيد، لكنهم لا يرون انعكاسه في حياتهم. التعليم، الصحة، العمل، والسكن، كل ذلك مجرد أحلام بعيدة المنال.

في يوم الاستقلال، يحق للأمة أن تفرح، لكن أصوات المهمشين تنبض بالحقيقة. في نظر العجوز لا يُقاس الاستقلال بالاحتفالات، بل بقدرة كل فرد على العيش بكرامة. والاستقلال الحقيقي هو ذلك الذي يُمكّن الجميع من الحياة بعيداً عن أوجاع التهميش وظلال الفقر.
م.ا.حبيب الله