الحوادث،- سيحضر غالبية رؤساء القارة الافرقية اليوم الاحد فاتح دجمبر من سنة 2024 الأنشطة المخدلد لذكرى مذبحة تياروي (Thiaroye massacre) التى وقعت في 1 ديسمبر 1944 في ضاحية تياروي بالقرب من داكار في السنغال، عندما قامت القوات الفرنسية بقتل عدد كبير من الجنود السنغاليين وغيرهم من الأفارقة الذين كانوا قد خدموا في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية.
خلفية الحدث:
هؤلاء الجنود، المعروفون باسم "التيرايور السنغالي" (Tirailleurs Sénégalais)، كانوا مجندين في المستعمرات الفرنسية بأفريقيا لخدمة الجيش الفرنسي.
بعد نهاية الحرب، عاد هؤلاء الجنود إلى وطنهم، وطالبوا بالحصول على الرواتب والمكافآت التي وعدوا بها أثناء الخدمة، لكن السلطات الفرنسية تماطلت في دفعها.
عندما تصاعدت الاحتجاجات من الجنود في معسكر تياروي، قررت السلطات الفرنسية قمع التمرد بالقوة.
أحداث المذبحة:
في فجر 1 ديسمبر 1944، قامت القوات الفرنسية بمهاجمة المعسكر، مما أسفر عن مقتل العشرات من الجنود.
الأرقام الدقيقة للضحايا تختلف حسب المصادر، لكن يُعتقد أن عدد القتلى كان بين 35 و300 شخص.
النتائج والتداعيات:
1. التهميش والتعتيم: تم التعتيم على الحادثة في فرنسا لفترة طويلة، ولم تُناقش بشكل واسع إلا بعد عقود.
2. التأثير السياسي: الحادثة أظهرت بوضوح التمييز العنصري الذي مارسته السلطات الاستعمارية، وساهمت في تغذية الحركات المناهضة للاستعمار في غرب إفريقيا.
3. محاكمات وقمع: الجنود الناجون تعرضوا لمحاكمات وتم سجن بعضهم، في حين ظلت السلطات الفرنسية متمسكة بروايتها الرسمية لفترة طويلة.
4. الاعتراف المتأخر: في 2004، اعترف الرئيس الفرنسي جاك شيراك بالحادثة ووصفها بأنها "لحظة مأساوية في تاريخنا"، وتزايدت الدعوات لتكريم ضحايا المذبحة.
رمزية المذبحة:
أصبحت مذبحة تياروي رمزًا للاضطهاد الذي عانى منه الجنود الأفارقة الذين خدموا القوى الاستعمارية.
الحادثة تلهم النقاشات حول العدالة التاريخية ودور المستعمرات في الحروب الأوروبية.
تأثير مذبحة تياروي على الأدب:
1. إلهام الأدباء الأفارقة:
كانت مذبحة تياروي موضوعًا مهمًا في الأدب الأفريقي، خاصة في الأعمال التي تتناول الاستعمار والتمييز العنصري.
الكاتب السنغالي شايخ حميدو كان، في روايته "الطريق الطويل" (The Ambiguous Adventure)، تناول قضايا مماثلة تتعلق باستغلال الأفارقة من قبل القوى الاستعمارية.
2. إدانة الاستعمار في الأدب:
شعراء مثل ليوبولد سيدار سنغور، الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للسنغال، عبروا عن غضبهم من الاضطهاد الاستعماري. في قصيدته "Thiaroye"، استحضر المذبحة لتوضيح الظلم الذي واجهه الجنود الأفارقة.
الأعمال الأدبية استخدمت المذبحة كرمز للمظالم التي تعرض لها الأفارقة في ظل الاستعمار، وعززت سرديات مقاومة الاستعمار واستعادة الكرامة الأفريقية.
3. الأدب الفرنسي:
أثارت الحادثة اهتمام بعض الكتاب الفرنسيين المهتمين بكشف الجرائم الاستعمارية، مثل جون بول سارتر، الذي ناقش القضايا المرتبطة بالاستعمار في أعماله.
---
تأثير المذبحة على السياسات المحلية:
1. زيادة الوعي السياسي:
أثارت المذبحة غضبًا واسعًا بين الشعب السنغالي وسكان المستعمرات الفرنسية الأخرى، مما أدى إلى تعزيز الحركات الوطنية التي طالبت بالاستقلال.
اعتبرتها الحركات السياسية في السنغال، مثل الحزب الاشتراكي بقيادة ليوبولد سيدار سنغور، دليلًا على ضرورة إنهاء الاستعمار.
2. تشكل الحركات العمالية:
ولّدت الحادثة شعورًا بالوحدة بين العمال والجنود السابقين، مما ساهم في تعزيز النقابات والحركات العمالية المناهضة للتمييز والاستغلال.
3. السياسات الفرنسية تجاه المستعمرات:
رغم أن فرنسا حاولت قمع آثار الحادثة، فإنها أجبرت لاحقًا على تحسين معاملة الجنود السابقين بسبب الضغط الدولي والمحلي.
في 1946، تم تمرير قانون منح المواطنة الكاملة لسكان المستعمرات الفرنسية، نتيجة للغضب من مذبحة تياروي وأحداث مشابهة.
4. تأثير ما بعد الاستقلال:
بعد استقلال السنغال في 1960، استُخدمت المذبحة كرمز تاريخي لتأجيج الشعور الوطني وتأكيد أهمية العدالة التاريخية.
أصبحت تياروي موقعًا رمزيًا لتكريم التضحيات الأفريقية، حيث يتم تنظيم فعاليات لإحياء ذكرى الضحايا.
رمزية الحادثة في التاريخ الوطني:
كانت مذبحة تياروي نقطة تحول في الوعي الوطني في السنغال وأفريقيا الغربية عمومًا، إذ أكدت على ضرورة مقاومة الاستعمار وتعزيز السيادة الوطنية.
ما زالت المذبحة تُدرس كجزء من تاريخ النضال ضد الاستعمار، وتشكل جزءًا من السردية الرسمية للكرامة الأفريقية.