مع أول خطوة إلى الداخل لن تأمن شر الحارس، أو المنظفة، ولن يتركك بعضهم لبعض، بل سيتجاذبوك بالإهانة الجسدية واللفظية، حتى تحس بأنك صغيرا ذليلا، لا تساوى مثقال ذرة في هذا عالم تنسب نفسك إليه، وقدر القادر لك أن تكون من طينته.. وإذا تجاوز هؤلاء إلى أي جناح من المركب الكبير الذي يتألف من أجنحة بدعوى الإختصتص.. لن تسلم حتى وأنت في أسوء حالة من المرض، -ولو كنت على سرير تصارع بين الموت والحياة- من عصبية القائمين على التمريض فيه، يكشروا عن أنياب وكأنهم وحوش مفترسة وجهك، حتى تشعر وكأنك في غاب من الوحوش الجائعة يصارع بعضها البعض، وقد نسوا، أو تناسوا، تقدير أصحاب المثل أنهم أصحاب الأنامل الناعمة ، والقلوب الرقيقة،والعاطفة الجياشة، ليكونوا كما يصفونهم ملائكة الرحمة على الأرض،ليؤدوا دورهم ورسالتهم على الأرض.
مثال حي:
دخلت مسكينة رفقة والدتها المكلومة من ما تعانيه ابنتها.. وهي تسرع لتصل السرير وتحتضنها القابلة، اعترضت المنظفة المسكينة عند الباب، وبقوة عنيفة ووحشية رفعتها، لتهاوى نحو الأرض منخورة القوى، وتسبح في دماء تجري كشلال جارف.. لم تتحرك المنظفة، ل تطاير الشرر من عينيها، وحاولت أن تجر المسكينة لتدفع بها بعيدا.ز كان المنظ الوحشي غريبا على الجمهور المتدافع عند الباب.. وتحول التدافع من الباب إلى السيدة التي تركتها المنظفة تضطرب في آلامها، وتطلب من يغيثها..خرجت القابلة وبصوت بارد وفارغ من الشعور الإنساني.. سألت والدتها التي جالس إلى جانب ابنتها غارقة في الدموع ولسانها يبتهل الى الله وتستغيث به بما أوتيت من قوة..طلب المتجمهرون الذين رقوا للمسكينة.. من القابلة أن تغيث المسكينة، وأن تدخلها إلى قاعة التوليد قبل أن تضع جنينها..نظرت القابلة إلى المسكينة التي نظرت إليها وهي تستنجد ..أغيثيني .. أغيثيني..وبنظرة باردة وحركة بطيئة.. طلبت القابلة من الوالدة التي صرفت نظرها إلى السماء تستغيث برب السماء والأرض.. وسارع بعض الجمهور بحمل المسكينة إلى الداخل، وغلقت القابلة الباب في وجه الوالدة التي تعلقت به وهي تطلب منها أن تتركها ترافق ابنتها.. كن القابلة نظرت إلى الوالدة بنصف نظرة وهي تلوي شفتها وتعض عليها بنواجذ كالحديد المصهور في النار، وتطلب من البواب أن يمنعها.
وعلى باب قسم التوليد،عاشت والدة المسكينة لحظات صعبة إلى جانب عشرات من الأمهات والأخوات والأباء جاءوا رفقة نسوة بين أيدي غي رحيمة.. الجميع ينتظر بقلوب واجفة وأبصار تبحلق في الباب، وأيدي مرفوعة إلى الله، غير آبهين بجحافل الباعوض الذي يقضم الحديد.. وقد جعل من جلودهم مزرعة يتغذي من دمها.