
كانت ساعة الهاتف تشير إلى العاشرة صباحًا، والشمس تلقي بأشعتها الحارقة على شارع قصر العدل في ولاية نواكشوط الشمالية. ازدحمت السيارات أمام المبنى، واصطفت سيارات الشرطة تحرس المدخل، بينما تجمع الناس في طوابير غير منتظمة، ينتظرون فرصتهم للدخول. بعضهم وقف على الرصيف المقابل يراقب المشهد بصمت، بينما حاول آخرون التقدم بين الجموع للوصول إلى البوابة.
عند المدخل، وقف شرطيان بملامح صارمة، وأمامهما غرفة احتجز فيها المجلوبون من السجن لحضور جلساتهم. بين المتدافعين، كانت فاطمة، عجوز نحيلة، تستند إلى عكازها المتآكل. عيناها الغائرتاحملان حزناً ثقيلاً، ويداها المرتعشتان تقبضان على عباءتها البالية. جاءت اليوم لرؤية ابنها، الذي لم تره منذ أكثر من سبعة أشهر، منذ أن زُجَّ به في السجن بتهمة تكوين جمعية أشرار والسطو المسلح.
حاولت التقدم بين المنتظرين، تبحث عن طريق للوصول إلى الداخل. كلما مرت بجوار أحدهم، همست برجاء:
— "ساعدوني.. أريد فقط رؤية ابني.."
لكن الأبواب لم تكن ترحم. عندما وصلت إلى المدخل، وقف أمامها أحد الشرطيين، بوجه متجهم وصوت خشن:
— "مكانكِ هنا يا حاجة، الجلسة لم تبدأ بعد."
نظرت إليه برجاء، قالت بصوت متعب:
— "يا بني، لم أرَه منذ شهور.. اسمح لي فقط بإلقاء نظرة."
لكن الرد جاء بصرامة:
— "انتظري دورك مثل الآخرين!"
رأت بأم عينها كيف سمح الشرطي لآخرين بالدخول قبلها، بعضهم لم يكن بأمسّ الحاجة مثلها. نظرت حولها، بحثت عن من ينصفها، لكن الجميع كان منشغلًا بنفسه. حاولت الوقوف بثبات، لكن قدميها الضعيفتين خانتاها. شعرت بدوار، اختل توازنها، وسقطت على الأرض.
— "يا الله.. رجلاي لا تقويان على حملي.."
أنَّت بصوت متحشرج، لكن الشرطي لم يتحرك، بل زفر بضجر وكأن سقوطها لم يكن إلا إزعاجًا إضافيًا ليومه الطويل. بعض الواقفين اقتربوا منها، ساعدوها على الجلوس، وأحدهم مدّ لها قارورة ماء.
لكنها لم تكن تحتاج ماءً، بل عدالة.. عدالة مؤجلة لا تدري متى تصل....تابع