.... في اليوم الأول واجهت صعوبة في التفاهم مع زميلاتي الجدد، فقد بدأن معي بالتنكيت على، والهجوم بالضرب تارة، وبنتف شعر رأسي تارة، تهددي بحلق شعري، وحرق جسدي، وأرغمنني على دلك أعضاءهن، كل واحدة على حدة.. أحسست بأني أختنق بسبب الرائحة الكريهة التي تنتشر في الغرفة بسبب التبول، ودخان القات المخدر الملفوف في السجائر، والعرق المتصبب على الأجساد النتنة التي لا تعرف الماء إلا في أوقات متا بعدة، فقد لا تستحم الواحدة إلا في غضون أسبوع أو اثنين، بسبب ندرة الماء، وهيمنة الحرس عليه إذا وجد.. أصبت بالغثيان وأحسست أن الغرفة تتحرك والأشياء تتكرر أمام عيني.. وسقطت مغشيا علي.. وانتبهت علي نفسي منفردة في غرفة الزعيمة.. كان جسمي عاريا إلا من قطعة قماش مبللة، احترت، وارتبكت في سبب وجودي في غرفة الزعيمة، وازداد خوفي وجودي في غرفة الزعيمة وأنا عارية .. فاجأتني بالزعيمة تدخل وهي تكفهر عن أسنان متآكلة متباعدة بين كل واحدة عن الأخرى مسافة جرداء، وهي تهر كما يهر الكلب العقور في وجه من يريد فريسته.. عودي إلى زميلاتك، لم أكن أميز الغرفة عن غيرها من غرف السجن، ومع ذلك خرجت حتى أتقي شرها.. تحركت في ممشى ضيق ورجلاي لا تكاد تحملي من الثقل، أحسست بأني أجرهما، وأن في رأسي أشياء تضطرني إلى الجلوس، لكن إحدى الزميلات معي في الغرفة هرولت إلي وسحبتني إلى الداخل، وأفسحن الباقيات مكانا تمددت فيه لبعض الوقت حتى استعدت بعض قوتي.. ثم جلست لأترك لهن مكانا يعتدلن، فقد كنت آخذ نصيبا اضطرهن إلى أن يقفن، استغربت هذا الحنان والعطف الذي يظهرونه لي، رغم أنهن قبل ذلك بقليل كن يهددنني بالحرق وحلاقة الرأس.
نظرن إلى بحنان وهن يعتذرن إلى عما بدر منهن، ويترجونني بأن أتجاوز عن ما كان من الاستقبال الجاف، وأخذن يسرين، ويحاولن التخفيف عني.. كان الوقت يقترب من الخامسة مساء عندما طلبت منا الزعيمة الحضور إلى جناح الأكل.. وهو عبارة عن بهو ضيق لا يتسع لمن في السجن، ومع ذلك يرغم الجميع على الخروج وتناول الغداء فيه.. وكان الغداء عبارة وجبة من الأرز المطهي على عظام لشاة، لا طعم فيه لشيئ، وبفعل الجوع الذي يفترس داخل البطون، هب الجميع على الأطباق وفي لمح البصر بدوا وكأن لم يكن فيهم شيء.. لم يصل معدتي غير ما أخذت في اللقمة الأولى...تابع