
تعيش ولاية قابس، جنوب شرق تونس، منذ أكثر من ثلاثة عقود، على وقع أزمة بيئية خانقة، جراء التلوث الناتج عن المجمع الكيميائي بالمدينة، الذي تتهمه منظمات محلية وسكان الجهة بالتسبب في انتشار أمراض السرطان وأمراض الكبد والرئة، وتدهور الثروة الزراعية والبحرية على حد سواء.
وتجسد حالة السبعينية الحاجة نعيمة أحد أبرز وجوه هذه المأساة، إذ تقضي أيامها طريحة الفراش بعد إصابتها بالتهابات حادة في الكبد وسرطان الرئة، قبل أن تفقد بصرها بسبب الغازات الملوثة المنبعثة من المجمع، وفق ما يؤكده ذووها.
ويقول سكان قابس إن التلوث بات يخنق المدينة ليلاً ونهاراً، حيث تنتشر الروائح الكريهة والغازات السامة، ما يتسبب في حالات إغماء متكررة، خصوصاً في صفوف الأطفال وكبار السن، وسط ضعف واضح في البنية الصحية وغياب المصحات المتخصصة، الأمر الذي يجبر المرضى على التنقل إلى ولايات مجاورة لتلقي العلاج.
وتشير شهادات الأهالي إلى أن مناطق شاطئ السلام، وغنوش، وبوشمة، تعدّ الأكثر تضرراً، حيث تتزايد الإصابات بأمراض السرطان، والربو، والتهابات الجلد والعظام، في ظلّ صمت رسمي ووعود حكومية لم تتحقق منذ أكثر من عشرين عاماً.
وأظهرت دراسة أعدّتها المفوضية الأوروبية عام 2018 أن المجمع الكيميائي مسؤول عن أكثر من 90% من التلوث الهوائي في قابس، إذ يُطلق سنوياً مئات الأطنان من الغازات السامة مثل ثاني أكسيد الكبريت والأمونياك، ما يهدد صحة أكثر من 190 ألف ساكن بـ"الموت البطيء"، وفق توصيف التقرير.
ولم تتوقف الكارثة عند الإنسان، إذ طالت آثار التلوث الثروة البحرية بخليج قابس، الذي كان يوصف سابقاً بـ"اللؤلؤة البحرية" لتنوع كائناته وتوازن نظامه البيئي، قبل أن تتغير لون مياهه وتتناقص أعداد الأسماك التي كانت تتخذه موئلاً طبيعياً في فصول معينة.
ويواصل أهالي قابس احتجاجاتهم للمطالبة بوقف الانبعاثات السامة وإيجاد حلول بيئية عاجلة، بينما تتساءل السلطات عن دوافع هذه التحركات، في وقت يقول فيه الأهالي: "لقد اختنقنا... نريد فقط أن نتنفس الحياة من جديد."

