في الحوض الشرقي..كرنفالات الولاء تعيد الدولة إلى مربع العشيرة والجهة

أحد, 11/09/2025 - 12:37

في مشهد بدا أقرب إلى الاستعراض السياسي منه إلى الفعل التنموي، تحولت زيارة الرئيس محمد الشيخ الغزواني لولاية الحوض الشرقي إلى كرنفال جماهيري ضخم، أعاد للأذهان صور العقود الماضية حين كانت الدولة تُدار بعقلية القبيلة والجهة، لا بمنطق المواطنة والمؤسسات.

منذ الإعلان عن الزيارة، انطلقت تحضيرات محمومة داخل مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية للولاية، حيث تنافست القبائل والعشائر والوجهاء المحليون على تنظيم الاستقبالات وتسيير المواكب، في سباق غير معلن لإظهار الولاء والانتماء للنظام القائم.

وزير الدفاع حنن ولد سيدي كان في مقدمة الحاشدين، إذ حرص على حشد جماهير غفيرة من قبيلته والقبائل المجاورة لها، في استعراض للقوة والامتداد الاجتماعي. ولم يتأخر رئيس الوزراء السابق يحيى ولد حدمين عن الدخول على خط المنافسة، فغمرت السيارات الشوارع والساحات في مشهد احتفالي ضخم، قُدم على أنه تعبير عن الدعم والمساندة للرئيس.

حتى الوجوه السياسية التي ظلت لسنوات خارج دائرة الضوء، وجدت في الزيارة فرصة لإعادة التموضع؛ فقد نظم النائب السابق عن دائرة انييك لحواش، يربه ولد المان، تظاهرة حاشدة من السيارات والمواطنين، رافقت موكب الرئيس منذ لحظة دخوله المقاطعة حتى محل إقامته، في استعراض لا يخلو من رسائل سياسية واضحة.

مشهد احتفالي تغيب عنه التنمية

لم يكن الحماس الشعبي – الذي طغى على الزيارة – تعبيرًا عن انتظار لمشاريع تنموية أو سياسات جديدة تخص الولاية، بقدر ما كان سباقًا لاقتناص الظهور في المشهد الرسمي، وإرسال إشارات للقيادة بأن الجميع “حاضر ومؤيد”.
فقد تحولت المناسبة إلى مهرجان ولاء قبلي، تُنفق فيه الأموال وتُسخّر وسائل الدولة، لا لعرض إنجازات أو إطلاق مشاريع، بل لإثبات الحضور في سجل الموالين.

تحدثت مصادر محلية عن مبالغ طائلة صُرفت على تنقلات الجماهير بين المحطات التي شملتها الزيارة، حيث تم نقل مئات المواطنين من ولايات بعيدة في سيارات وفرتها الوزارات والمؤسسات العمومية، في مشهد يجسد استمرار ثقافة التوظيف السياسي لموارد الدولة.

صمت رسمي.. وذاكرة تعود إلى الثمانينات

رغم وضوح مظاهر البذخ والإسراف، لم يصدر عن الرئيس أو أي من مرافقيه موقف ناقد لهذه الممارسات. بدا المشهد وكأنه عودة صريحة إلى زمن الكرنفالات السياسية التي عرفتها البلاد خلال حقبتي الثمانينات والتسعينات، حين كانت زيارات الرئيس معاوية ولد الطايع تتحول إلى استعراضات للولاء القبلي، وتنافس على الحظوة والقرب من مركز القرار.

إنّ ما جرى في الحوض الشرقي ليس مجرد تفاعل شعبي عفوي، بل انعكاس لبنية سياسية ما تزال أسيرة منطق العشيرة والجهة، حيث تتحول المناسبات الوطنية إلى فضاء لإعادة توزيع النفوذ، وترسيخ الاصطفافات التقليدية على حساب قيم الدولة الحديثة.

وفي ظل هذا الواقع، يظل السؤال مطروحًا:
هل ما شهدناه هو تجدد لثقافة الولاء التقليدي في ثوب جديد؟
أم أننا أمام إعادة إنتاج كاملة لمشهد الكرنفالات السياسية القديمة، حيث تُختزل الدولة في شخص، وتتحول الزيارات الرسمية إلى طقوس احتفالية تُكرّس الانقسام بدل التنمية؟