
الحوادث- تواصل عدد من المواطنين والفاعلين المحليين في ولايات الشمال، خصوصاً في ولاية إنشيري والمناطق المتاخمة لها، طرح سؤال مركزي يزداد إلحاحاً مع مرور الزمن: ماذا استفاد المواطن من شركات التعدين الكبرى؟
سؤال يردده الأهالي منذ دخول شركتي تازيازت (الذهب) وMCM (النحاس) إلى البلاد قبل أكثر من ربع قرن، دون أن يلمسوا –بحسب وصفهم– أي أثر ملموس على حياتهم اليومية، رغم الأرباح الضخمة التي تحققها الشركتان سنوياً.
غياب البنى التحتية والخدمات الأساسية
يؤكد سكان المناطق المحاذية لمواقع التنقيب أن تأثير الشركات على التنمية المحلية كان شبه منعدم، حيث لم تشيّد –وفق أقوالهم– مؤسسات تعليمية حديثة، ولم تُسهم في تطوير المدارس القائمة أو دعم التلاميذ بالمستلزمات الضرورية، رغم حاجة المنطقة الماسّة لمثل هذه المشاريع.
وفي الجانب الصحي، يشير السكان إلى غياب مراكز صحية مجهّزة أو وحدات إسعاف قادرة على خدمة التجمعات السكانية القريبة من مناطق التعدين، مؤكدين أن الدولة والشركات كان بإمكانهما إنشاء نقاط طبية قريبة للتدخل السريع في حالة الحوادث أو الأمراض الناتجة عن ظروف البيئة التعدينية.
البيئة… الخسارة الأكبر
تعد البيئة، بحسب السكان، أكثر القطاعات تضرراً، حيث تحولت مساحات واسعة من المراعي التقليدية إلى “مجال ملوث”، نتيجة مخلفات المواد الكيميائية المستخدمة في عمليات فصل المعادن. ويقول مربّو الماشية إنهم لاحظوا خلال السنوات الماضية انتشار أمراض غريبة بين قطعانهم، ما اضطرهم للابتعاد مئات الكيلومترات بحثاً عن مراعي “أكثر أماناً”.
ويدعي الأهالي أن التربة، والهواء، والمياه تأثرت كلها بدرجات متفاوتة بفعل نشاط التعدين، وهو ما انعكس على نمط عيش السكان الذين يعتمدون بشكل شبه كامل على التنمية الحيوانية.
ثروة وطنية… وأرباح لا يشعر بها المواطن
يشكو السكان من أن الذهب والنحاس، وهما من أهم الثروات المعدنية في البلاد، يُستخرجَان منذ عقود دون أن يتغير مستوى معيشة المواطن في محيط المشاريع، ودون أن تستفيد القرى والبلدات القريبة من أي مشروع تنموي كبير، كشبكات المياه، الكهرباء، أو الطرق المعبدة.
ويرى منتقدو أداء الشركات أن مشاريع المسؤولية الاجتماعية التي أعلنت عنها خلال السنوات الماضية ظلت محدودة ولا تتناسب مع حجم العائدات. ويُحمِّل هؤلاء الدولة مسؤولية "التساهل" –بحسب تعبيرهم– مع الشركات وعدم فرض التزامات واضحة تضمن للمواطن حقه في التنمية.
الدولة بين الاتهام والمسؤولية
يشير أهالٍ ونشطاء محليون إلى أن السلطات لم تُبدِ الحزم الكافي للحد من الأضرار البيئية، كما لم تُلزم الشركات بخطط تنمية محلية تُحسّن من واقع السكان. ويؤكد هؤلاء أن غياب الرقابة البيئية وضعف الشفافية في عقود التعدين يُسهمان في استمرار الوضع دون تغيير.
في المقابل، تؤكد الحكومة في تصريحات سابقة –في مناسبات عامة– أنها اعتمدت سياسات جديدة لتنظيم القطاع، وضمان احترام الشركات لمعايير السلامة والبيئة، وأن مراجعات للعقود تتم بشكل دوري لحماية المصلحة الوطنية. غير أن المواطنين يعتبرون تلك الإجراءات غير كافية أو لم تُنفَّذ فعلياً على أرض الواقع.
خلاصة
وبين رواية المواطنين وما تقوله الشركات والسلطات، يبقى السؤال قائماً:
كيف يمكن تحويل ثروات الذهب والنحاس إلى تنمية حقيقية يشعر بها المواطن، ويحمي في الوقت نفسه البيئة والرعي والموارد الطبيعية؟
فبعد أكثر من ربع قرن من الاستغلال، يبدو أن الإجابة لم تتبلور بعد… لكن صوت المواطن يزداد ارتفاعاً، مطالباً بـ تنمية عادلة، بيئة سليمة، ونصيب مشروع من ثروة وطنية لا تزال في متناول يد غيره.

