
الحوادث- لم يعد واقع العطش الذي يعيشه عدد من أحياء العاصمة نواكشوط خافياً على حكومة المهندس محمد ولد انجاي، فقد طرق السكان كل الأبواب الإدارية ورفعوا شكاوى متتالية، ونظموا احتجاجات سلمية عبّروا فيها عن معاناتهم اليومية مع انقطاع المياه، التي تدفع بعض الأسر ثمن برميل واحد منها بما يقارب 200 أوقية جديدة—إن وجد في أيام الحر الشديد.
الأحياء المتضررة، من مناطق الترحيل إلى بعض أجزاء ملح وأحياء أخرى مهمة، باتت تعيش حالة عذاب يومي في بلد ترفع حكومته شعار “الباب المفتوح” و“تسخير الجهود لخدمة المواطن”، بينما الواقع على الأرض يسير في اتجاه معاكس تماماً.
وعود رسمية… و«قرص منوم»
قبل يومين فقط، تجمع ممثلون عن هذه الأحياء واجتمعوا—كما جرت العادة—بمسؤولين في الإدارة العامة للمياه، الذين أكدوا لهم مجدداً أن “المشكل على وشك الحل”.
لكن السكان يقولون إن هذه الوعود لم تعد سوى جرعة تهدئة يتلقونها في كل زيارة، ليستيقظوا بعدها على واقع أكثر قسوة: لا ماء، ولا حل، ولا من يستمع.
قصة تكشف المستور
إحدى القصص التي عاشها حي القطاع الثالث من "ملح"مجاور لأحياء الترحيل تكشف الكثير مما يدور خلف الكواليس.
قبل أشهر، وصلت فرقة تابعة للإدارة العامة للمياه إلى أحد مراكز التوزيع"يقع عند مفترق القطاع الثالث والرابع،قبالة بقالة "كلش" في ساعة متأخرة من الليل، ومعها حفارة وعدد من العمال.
أثار الأمر ريبة بعض السكان الذين استفسروا عن طبيعة العملية، إلا أن الفرقة برّرت وجودها بوجود “عطل” في المركز.
في الصباح، استيقظ السكان على غمر المياه للمكان بالكامل وانقطاع التزويد. وبعد أيام من العطش، قرر بعض الأهالي زيارة رئيس المركز في ملح قرب “بقالة كلش” للاستفسار عن سبب الانقطاع المفاجئ.
المفاجأة كانت أن رئيس المركز لم يكن على علم بالعملية. اتصل بالإدارة العامة للمياه، فجاءه الرد ذاته: “لا علم لنا”.
وقبل نهاية الاتصال، سأله أحد المسؤولين: “ربما يكون فلان… الفلاني؟” ثم قطع الخط!
عودة الفِرقة… والهدف الحقيقي يتكشف
لكن قبل أيام قليلة فقط، وفي نفس التوقيت المتأخر ليلاً، حضرت الفرقة نفسها للحفر مجدداً بهدف إغلاق المركز. هذه المرة، كان السكان متيقظين، فاعترضوا العملية، وطلبوا حضور الحاكم ورئيس المركز.
اندلع جدال محتدم، قبل أن تستدعي الفرقة الشرطة. التي كانت جاهلة تماماً بمهمة الفرقة، وكذلك الحاكم، الذي أمر بداية بتسجيل شكاية لصالح السكان… قبل أن يتلقى اتصالاً من أحد مديري الشركة!
السكان شرحوا للشرطة ما حدث سابقاً، مؤكدين أن الفرقة تنفذ “خطة” لصالح جهات نافذة سيتم تزويد أحيائها بالماء على حساب أحياءهم الفقيرة.
وفي النهاية، قررت الشرطة تأجيل عمل الفرقة إلى النهار.
إلا أن الفرقة عادت ليلاً—خلافاً للتوجيه—لكنها وجدت المواطنين معتصمين عند المركز، فاضطرت للمغادرة بعد ساعات من الانتظار.
اتهامات خطيرة: قطع الماء عن أحياء فقيرة… لتغذية أحياء غنية
تُظهر هذه القصة، وفق السكان، وجود خلايا داخل الشركة تعمل على التلاعب بشبكات المياه، وقطعها عن الأحياء الفقيرة لصالح أحياء ميسورة، أو لتنفيذ مصالح شخصية مرتبطة بمجموعة نافذة.
هذه الممارسات، إن صحت، لا تكشف فقط الفوضى التي تعيشها مؤسسة حيوية مثل شركة المياه، بل تكشف انعدام الرقابة، وغياب الشفافية، وترك المواطنين فريسة للعطش في عاصمة تجاور نهرًا، لكنها تعيش أزمة مياه خانقة منذ سنوات.
مطالب السكان
يطالب المتضررون بـ:
فتح تحقيق مستقل في تحركات الفرق الليليّة داخل الأحياء.
محاسبة المتورطين في عمليات قطع المياه دون مبرر.
إعادة هيكلة شاملة لشبكة التوزيع في نواكشوط.
ضمان وصول الماء بشكل عادل ودون تمييز بين أحياء غنية وأخرى فقيرة.
ويبقى السؤال:
إلى متى سيظل سكان نواكشوط يعانون العطش في مدينة يفترض أن تكون عاصمة الدولة ومركز خدماتها؟

