
دشّن رئيس الجمهورية يوم أمس فندق الشيراتون الجديد في نواكشوط، في حدثٍ حظي بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الرسمية، التي قدّمت المشروع بوصفه “معلمة سياحية مميزة” تُضاف إلى قائمة الإنجازات العمرانية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة. وحضر حفل التدشين عدد كبير من رجال الأعمال والمستثمرين والفاعلين في قطاع السياحة، حيث قدّم الحدث على أنه خطوة نحو تعزيز البنية التحتية السياحية وجذب الاستثمارات.
غير أن هذا المشهد المترَف لم يكن يعكس الواقع الكامل للعاصمة. فبعيدًا عن أضواء الحفل وعدسات كاميرات التلفزيون الرسمي، كانت نواكشوط تُظهر وجهًا آخر… وجهًا يئن من ثغرات حادة في القطاع الصحي.
في مستشفى الشيخ زايد، كان مواطنون ينتظرون لساعات طويلة دون أن يجدوا طبيبًا مداومًا يعاين حالاتهم الحرجة. بعضهم ينتظر دوره على أسِرّة مهترئة، وآخرون عاجزون عن توفير ثمن الدواء بعد أن أُبلغوا بأن العلاج “غير متاح” في صيدلية المستشفى. وبين ممرات الطوارئ كانت المعاناة واضحة، تُجسّدها نظرات يائسة تبحث عمّن يُقدّم الحدّ الأدنى من الرعاية الطبية.
وفي الجهة الأخرى من المدينة، لم تكن الأوضاع أفضل حالًا في مستشفى الصداقة. نساء في غرف الولادة يواجهن إهمالًا لافتًا من الطبيب المشرف، وفوضى في أداء القابلات، مما جعل كثيرًا من الحالات تتعامل مع الولادة كمعركة غير مضمونة النتائج بدل أن تكون تجربة إنسانية يمكن اجتيازها بأمان وطمأنينة.
ورغم أن احتفالات تدشين المشاريع الكبرى تحمل في ظاهرها رسائل طموح وتطوير، فإن التناقض بين هذه الصورة وبين الواقع الذي يعيشه المواطن في مؤسسات الصحة العمومية يثير الكثير من التساؤلات. فالمواطن الذي يرى الملايين تُنفق في بناء منشآت فاخرة، بينما يعجز عن العثور على طبيب أو الحصول على دواء، يشعر بأن أولوياته لا تُوضع في مكانها الصحيح.
إن ما حدث يوم أمس يعكس فجوة متزايدة بين المنجزات العمرانية التي تُبرزها الدولة وبين الحاجات الإنسانية الأساسية التي لا تزال تعاني غيابًا واضحًا للدعم والاهتمام. وهي فجوة لا يمكن تجاوزها بالخطابات أو التغطيات الإعلامية المصقولة، بل تتطلب مراجعة جدية لأولويات الاستثمار وتوجيه الموارد نحو القطاعات التي تمس حياة المواطن مباشرة، وعلى رأسها الصحة.
وفي النهاية، يبقى السؤال معلّقًا:
هل تحتاج نواكشوط إلى مزيد من الفنادق الفاخرة… أم إلى مستشفيات قادرة على حفظ حياة أبنائها؟
م.أ.حبيب الله

