تعالَ معي، يا صاحِ، إلى بَيت من بيوت "تفرغ زينه " في وقت مناسب ومُريح يسمح بلقاء العائلة بكامل أفرادها : الأب والأم والأبناء ... تعالَ نزورُهم بعد صلاة العصر أو المغرب حيثُ تلتئمُ في الغالب جلسات راحة واسترخاء على مستوى الأسر الموريتانية العادية. فإنّك لن تقابل أحدا، وسترى العجب العجاب ! سترى الأب منشغلا بحاسوبه ... قلبُه بالكاد ينبضُ، ولسانُه بالكاد يردّ لكـ السّلام. والأم مُنزَوِيّة وحدها في صالون تقلّبُ محطات التلفاز بحثا عن آخر فلم تركي أو برازيلي مُدبلج. أمّا الأبناء والبنات، فكلّ في مخبئه داخل غرفة أو في ركن من أركان المنزل، وبيَده هاتف "آي فون" ومنغَمِسٌ حتى الودجين في "دردشة" وهميّة؛ سارِحٌ، أو ساهٍ شارِدُ الذّهن. هذا، إذا لم يكن الجميع ساعتها يتابعُ آخر مباريات "لليگا". سبحان الله العظيم ! كلّ فرد من أفراد الأسرة يعيشُ على كوكَب غير كوكب الأهل والوطن. لا أحَدَ يسألُ عن أحد. ولا أحد يخاطبُ أحدا. ولا أحد يُجالسُ أحدا.
كأنّها بيوت مهجورة ؛ تقطّعت السّبُل بأهلها، وتصرّمت حبالُ الوصل وعلاقات القربى بين أفراد الأسرة الواحدة ... وحتى المائدة لم تعُد فرصة لاجتماع العائلة. بل العكس؛ تَرَى الأبناء يتسابقون طلبا للوَجَبات السّريعَة. كلٌّ يخرجُ وقتما شاء ويختارُ وجبتَهُ بنفسه لنفسه ... وهكذا، تَتَشَظّى العائلة بين "الهَنْبُرگَر" و"الصّندْويشَه"، و "البيزا"، إلى آخر ما هنالكـ من سِلع استِهلاكيّة مصمّمة على مقاس الفردية والأنانية، و تَمْجيد حبّ الذّات والكسب السّريع.
من صفحة /الدبلوماسي.. محمدفال ولد بلال
هذا هو واقع معظم بُيُوت "تفرغ زينه" حيثُ يَسكنُ قادةًُ البلد المدنيّين والعسكريّين كافّة، ويوجدُ العلماء والمفكّرون والأساتذة وأصحاب الجاه والسلطة والمال، إلخ ... والأدهى والأمَرُّ من ذلكـ كلّه، أنّ هذا الواقع المُزَيّف والرّديء أصبح قابَ قَوسَين أو أدنى من السّيطرَة على بقيّة المُدُن والقُرى في البلاد ... بصرف النّظر عن القيّم والعادات النبيلة، وعن مستوى الّدخل العام وظروف عَيش السّاكِنَة.
ولكم التّعليق !