قرار القضاء الدستوري في كينيا ببطلان الانتخابات الرئاسية هناك جاء معبرا عن ثورة ويقظة، على غرار ما حدث ـ بشكل آخر ـ في غامبيا... ضد التزوير من أجل استمرار الحاكم "الملهم".
لكن ذلك القرار كشف عن أمر آخر وآفة انتخابية أخطر من عملية التزوير نفسها، ألا وهي مراقبة الانتخابات؛ دور شهود الزور "المراقبين" !
ذلك أن كثيرا من المشرفين والمراقبين المحليين والإقليميين والدوليين قد أقروا نتائج تلك الانتخابات وشهدوا لها بالنزاهة والمصداقية ! بينما وجدتها المحكمة المختصة خاطئة ومزورة لدرجة يستحيل قبولها فحكمت بإلغاء نتائجها وإعادتها من أصلها !
هذا الحكم لم يفضح نظام كينياتا العتيد الحاكم فقط، ولكنه شكل فضيحة مدوية للجان المراقبة والجهات التي تبعثها، بل وللدول التي قبلت تلك النتائج وبعثت التهانئ للرئيس الفائز رغم احتجاج وصراخ منافسه الرئيسي !
والآن قد اتضح أنه لا بد من تغيير آليات مراقبة التصويت الشعبي في الانتخابات والاستفتاءات، وخاصة تلك التي تجري في دول العالم الثالث عموما، والتي باتت تشريعا وتشجيعا لعمليات التزوير !
ومن أول الملاحظات الإقرار بعدم جدوى مراقبة الصناديق أيام الاقتراع، لأن هذه الصناديق إنما تودع فيها "نتائج" التزوير التي تترتب على سلسلة معقدة من التقنيات والتدابير المسبقة التي قد تمتد أسابيع وأشهرا وسنوات قبل عملية التصويت نفسها.
ومن الواضح أنه لكي تكون المراقبة ذات حد أدنى من المصداقية لا بد أن تبدأ من حيث تبدأ عمليات التزوير وتنتهي من حيث انتهت؛ أي يكون لها حضور ومراقبة في العمليات السياسية المحضرة للانتخابات، لمعرفة كيف يتم توجيه إرادة الناخب، أو التحكم في طريقة التعبير عنها، بحيث يمكن توقع الاتجاهات الكبرى لتلك الإرادة. ثم تمتد المراقبة إلى فرز وتحليل النتائج ومقارنتها بالتوقعات الكبرى...