عندما بدأت رياح الإصلاح تهب على حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية"، انشغل الرأي العام بحيثيات التحسيس والانتساب، ولم ينتبه إلى شق أساسي من الدينامية التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد العزيز. ويتعلق الشق المذكور بالإصلاح السياسي داخل صفوف المعارضة الموريتانية.
لقد أكد الرئيس صراحة أن زخم الإصلاح داخل "حزب الاتحاد" سينعكس إيجابا على أحزاب المعارضة. ولعل التململ الذي تشهده الساحة المعارضة الموريتانية منذ أيام دليل على بوادر ما تنبأ به الرئيس، منذ شهرين تقريبا. فالبعض، في أحزاب المعارضة، انخرط في حوار مع الأغلبية، من وراء ستار وبذاكرة انتقائية...، والبعض الآخر اختار الالتحاق بالأغلبية بلا قيد ولا شرط، مستفيدا من فرصة "التمويه" التي أتاحتها أجواء حملة الانتساب الأخيرة، وفضلت ثلة قليلة النهج "البردسي" الذي يعمد أصحابه إلى توقيع نص ناري حول الحكامة الوطنية بغية لفت الانتباه والتموقع، لعل وعسى... لقد استوقفني النص الذي وقعه "وزراء سابقون" و "شيوخ" و "مثقفون"، والذي يتعلق ب"ميثاق من أجل التناوب السلمي على السلطة". فإذا علمنا أن "الوزراء" المعنيين لا أحد تقريبا في موريتانيا يتذكر مناصبهم أو يهتم بمواقفهم، لأسباب منها:
1. ضيق "الباب الخلفي" (إلم تكن "نافذة") الذي تم من خلاله ولوج الوظيفة الوزارية بالنسبة لهؤلاء،
2. ضيق الأفق السياسي لجل هؤلاء "الوزراء"،
3. قصر مدة "التوزير" بالنسبة لهم جميعا،
4. اختفاء جل هؤلاء "الوزراء" من رادارات السياسة خلال السنوات الأخيرة ومنهم من لم ترصده أصلا،
5. الفساد المشين الذي طبع الحكومات التي انتمى إليها هؤلاء "الوزراء"،
6. الحصيلة التسييرية الباهتة لكل واحد من هؤلاء "الوزراء" من جهة، وللحكومات التي انتموا إليها من جهة أخرى،
7. كون السير الذاتية لهؤلاء "الوزراء" تمتاز بالثغرات المريبة... إلا من رحم ربك،
8. الثراء الشخصي المشبوه لمعظم هؤلاء "الوزراء" ،
9. الولاء للخارج الذي عرف به بعض هؤلاء "الوزراء"،
10. المدرسة "السياسوية" الغابرة التي ينتمي إليها جل هؤلاء "الوزراء"،
إذا علمنا إذا كل ذلك وأخذنا في الحسبان توقيت "الميثاق"، يسهل علينا رفع التشفير البدائي عن رسالة "الوزراء" القدامى.
أما "الشيوخ"، فوجب عنهم الإمساك...
وأخيرا، فيما يتعلق ب"المثقفين"، هذا المصطلح الذي كرسه -لأول مرة- "أميل زولا" في نصه المشهور "أتهم!"، فيمكن أن نجزم أنه لا يوجد من ضمن المجموعة المعنية "مثقف" واحد، بالنظر إلى أهداف "الميثاق" السلطوية الصريحة والمسار التكويني والمهني لكل عضو من الموقعين والتوقيت الإنتهازي للوثيقة...
لقد أوغل "الميثاق" في انتقاد الحصيلة التسيييرية لفخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد العزيز، دون إعطاء رقم واحد يعضد هذا الشطط، الشيء الذي يفقد الوثيقة أي شكل من أشكال المصداقية. لقد كان حريا ب"الوزراء" القدامى و"الشيوخ" المتقادمين و"المثقفين" المفترضين، أن يجيبوا على أسئلة مثل:
1. كيف لكم أن تتحدثوا عن أمن موريتانيا، في الوقت الذي تكيلون فيه الشتائم للقيادات العسكرية والأمنية للبلد، رغم أدائها المتميز خلال العشرية الأخيرة، بشهادة أعرق المعاهد المتخصصة، في تأمين الوطن بحدوده البرية الوعرة والتي تتجاوز 5000كلم ومساحته التي تزيد على مليون كلم2؟
2. هل من مبرر لتجاهل الجهود المضنية التي بذلتها السلطات العمومية الحالية، لرأب صدع الوحدة الوطنية، تلك الجهود التي مكنت من عودة كل المبعدين إلى السنغال على خلفية أحداث 1989-1990 الأليمة، وذلك بشهادة الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، آنتونيو كوتريس، الذي كان وقتها يشغل منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين؟
3. أيجوز أن تتطرقوا لموضوع الحريات العامة وأنتم من خدم أنظمة استبدادية، في الوقت الذي تتربع فيه موريتانيا اليوم-ومنذ أربع سنوات متتالية- على رأس لائحة الدول العربية ودول شبه المنطقة في هذا المجال، بشهادة "مراسلون بلا حدود"؟
4. هل يستساغ أن تثيروا إشكال "المساواة" في وقت تضع فيه "البنك الدولي" موريتانيا في رتبة "الدولة الأقل فوارق" ضمن 26 دولة إفريقية، بالنسبة ل "معامل جيني" الذي يقيس فوارق الدخل في هذه الدول، علما أن من بين هذه الدول "وراندا" و"السنغال" ودول المغرب العربي؟
5. هل يقبل أن تتجاهلوا الفائض اليوم في إنتاج الكهرباء- بما فيها النظيفة- في حين كان انقطاع التيار الكهرباء كابوسا يؤرق سكان نواكشوط، عندما كنتم، أيها "الوزراء"، في السلطة؟
6. كيف يقبل أن تتجاهلوا الشبكة الطرقية المعبدة التي شيدت خلال السنوات الأخيرة، حيث تم ضرب معدل "الإنجاز السنوي" ب 3,7، في هذا المجال؟
7. أيعقل أن يتناسى هؤلاء "السياسويين" الدور الإيجابي الذي لعبه فخامة الرئيس في ليبيا وساحل العاج ومالي ورواندا وغامبيا، خدمة لأمن موريتانيا وشبه المنطقة؟
8. لما ذا لم تستطع "حكوماتهم" استقطاب أي حدث دولي يذكر، في الوقت الذي نجحت موريتانيا في تنظيم أول قمة عربية على أرضها سنة 2016، وتستعد اليوم لإيواء أول قمة إِفريقية في نواكشوط؟
9. لما ذَا لا تثمنون استحداث مسالك الامتياز في منظومتنا التربوية، هذه المسالك التي مكنت موريتانيا -على سبيل المثال- من أن تتبوأ الرتبة الثانية عالميا، بعد لبنان، فيما يتعلق بعدد الناجحين في المسابقة الكتابية لمدرسة "إكس" الفرنسية المرموقة، لهذه السنة، متقدمة على كل دول الجوار؟
10. أمن النزاهة الفكرية ألا يعترف "الوزراء" و"الشيوخ" و"المثقفون"، بتألق موريتانيا في مجال كرة القدم مثلا، خلال السنوات الأخيرة، بعد سبات رياضي استمر نصف قرن؟
بناء على كل ما تقدم، فقد تولدت لدي القناعة الراسخة أن الوثيقة "الميثاق من أجل التناوب السلمي على السلطة"، لا تعدو كونها نداء مبطنا من "سياسويين" هامشيين سئموا رتابة البطالة، فأسعفوهم-رحمكم الله- إنهم يستغيثون!...
إسلك ولد أحمد إزيد بيه