ذكر المؤرخ الكبير سيد احمد بن حبت رحمه الله أن الشيخ عمر الفوتي مر اثناء عودته من الحج 1830 ببيت المقدس في زيارة كانت حافلة بالنشاط العلمي والسياسي، ولما شاع ذكره عند المقدسيين أكرموه و بجّلوه ، مع استغراب مبطن منهم أن تكون هذه المعارف الواسعة بتارخهم وبتارسخ أرضهم المباركة صادرة من سوداني قادم من أقصى الغرب الإفريقي، فاجتمع علماؤهم و فقهاؤهم لاختبار علمه و تضلعه، وحين (أعياهم أمره و آيسوا من إعجازه أذعنوا له وانصرفوا و قدموه للصلاة في بيت المقدس يوم الجمعة) ولعل هذه الإفادة هي أقدم ما وقفت عليه من اتصال موثق بين علماء الشام وعلماء غرب إفريقيأ.
غرب إفريقيا هذه المنطقة من العالم التي شمخت فيها مآذن الفوتين ومحاضرهم من نهر السينغال حتى جبال الكونغو وظلت تتصدى جيلا بعد جيل للغزو الديني والثقافي الغربي المسيحي المتصهين. ويكاد أجماع المؤرخين ينعقد أن المكون الفوتي وهو ثاني أكبر مكون ثقافي قومي في القارة الإفريقية بعد المكون الثقافي والقومي العربي، هو أشد المكونات الاثنية ارتباطا بثقافته الدينية العربية الإسلامية، وعلى جسره المكين عبرت القضية الفلسطينية جنوب الصحراء ونشأ الاهتمام بها والإيمان بعدالتها .
لن تشوش على هذه الحقيقة التي نسجت خيوطها السميكة مئات السنين، كتابات من عجز عن تصحيح خطيئة كبرى اتجاه وطنه تهيأت له الفرصة للقيام بها، ومن عجز عن قراءة ابجديات تخصص يدعيه بفعل تجمد الوعي والابتعاد عن الجذور في رحلة تيه نبتت من زقوم التيه اليهودي التاريخي الذي غدا مدرسة لكل تفكير كولونيالي تقليدي تمارسته سائر الجماعات الاستعمارية، كي تبرر الاستيلاء على أرض الآخر، حتى وإن كان ـ كما هو حال الفلسطينيين العرب ـ قد كتب وجوده التاريخي علي أرضه بدمائه وعدّ عليها بالقرون لياليه وعاش فوقها بأعمار أشجار الزيتون والصنوبر والسنديان.