من النافلة القول بأن التعليم هو ضرورة حياة إذ لايمكن لأي مجتمع ينشد الرقي الاستغناء عن تطويره والاستثمار فيه بغية نيل مكانة في عالم يسير وبسرعة فائقة نحو التطور الناجم عن تقدم البحث العلمي في كل مجالات الحياة. غير أن هذه الآية نجدها معكوسة تماما بالنسبة لساكنة هذا المنكب البرزخي، حيث لاتزال برامج التعليم بمختلف مستوياتها عصية على التحديث مقاومة بذالك كل إمكانية للتطور والنهوض بالبلد. الأمر الذي دفعني إلى طرح سؤال من قبيل ترى من المسؤول عن إيصال التعليم إلى مثل هكذا حالة مرض مزمنة وتركه يصارع الموت دون محاولة جادة لإنقاذه¿
صحيح أنني لست أول من يطرح هذا السؤال ولا من يحاول تشخيص الواقع وتقديم الحلول ، لكن صحيح أيضا أن الكثير من الأطروحات السابقة في هذا المجال تنقصها الموضوعية والشفافية، ذلك أن المعارضين للنظام غالبا مايلقون بالتهمة عليه معتبرين إياه المسؤول الاول عن مشكل التعليم في حين ظلت الجهات الرسمية بدورها متخذة لنفسها موقفا دفاعيا مستخدمة ماكينتها الاعلامية لدرإ التهمة عن نفسها ولترويج إصلاحات زعمت القيام بها في هذا المجال. غير أن محورية الموضوع تأبى علي التخندق مع هذا الفريق أو ذاك حيث من الضروري تجاوز كل ذالك إلى وضع اليد على الجرح وتنظيفه ومن ثم وضع الدواء، وقبل وضع الدواء ينبغي تشخيص الداء وداء التعليم عضال كما هو معلوم في هذا البلد، فتجربة بسيطة لم تتجاوز أشهر معدودة نبهتني أن الوضع أكثر من خطير، ففي الثانوية تجد طلابا لايحسنون القراءة ولاالكتابة أما التعبير والإملاء فتلك مرحلة ترف فكري بالنسبة لهم. والحق أقول إن المسؤول عن هذه الحالة ليست الحكومة ولا الوزارة الوصية بل تقع على زملاءنا المعلمين في المرحلة الابتدائية الذين سمحوا لهم بالتجاوز من فصل لآخر دون استفاء الشروط الكافية لذلك وهم بذلك يقعون في الخطأ مرتين ففي الأولى ضيعوا مستقبل جيل كبير من المجمتع عن طريق إيهام ذويه بكفاءته وفي الثانية ضروا أنفسهم من حيث لايشعرون حين لم يدركوا أن وجود طالب في المرحلتين الثانوية والاعداية لايحسن القراءة والكتابة والتعبير أمر يعد مبررا لعدم وجود مهمتهم في المرحلة الابتدائية وهي الأهم لأنها ستحدد مصير التلميذ في المستقبل. والنتيجة هي ضعف في المستوى يظل مصاحبا للتلاميذ حتى يلقي بهم في خانة الفشل والتسرب.
وإليكم أمثلة من ذلك الضعف والتدني في المستويات حسب مشاهدتي وماسمعت، فمن مشاهدتي أن تلاميذ الاعدادية والثانوية لايستطيعون الكتابة عن طريق الاملاء بل إنهم لايقرؤو ماكتب لهم حتى وإن كان ممحصا. أما عن الفهم فلا تسأل عن عجزهم عن استيعاب كل المواد على بساطة بعضها وكأن القائل عناهم يوم قال: أقول زيد فيسمع خالدا. ويكتبها عمرا وينطقها بكرا. ففي أحد الفصول بلغ القوم من السذاجة بحيث رسمت شكل الارض ووضعت خط الاستواء وسألتهم ماهذا بعدما أشبعته توضيحا في الحصة الآنفة فكانت الاجابة هذه بيضة والخط الذي في وسطها يرمز إلى نصفها، وفي قسم آخر يعجز التلاميذ عن وضع حل لعمليات حسابية كان من المفترض أن يتقنوا التعامل معها في مرحلة الروضة أو الابتدائية. فلئن سألت عن عشرين مقسومة على أربعة يجيبون ثلاثين أو أربعين ، ولئن سألت عن إعراب بسيط الكلام يآتوك بمنكر وكبائر في هذا المجال ، وفي العروض يمزجون بين بحور الشعر وباقي البحار والمحيطات ،هذا هو حالهم مع اللغاة الاعجمية فلا عرب هم ولاعجم.
ومثلما أن المدرس يتحمل جزءا من المشكلة فالوزارة الوصية وكذا المجتمع يتحملان الأجزاء المتبقية. فالمناهج تغير تبعا لهوى هذا الوزير أو ذاك في جهل أوتجاهل تام لأهمية التراكم في العملية التعليمية فكلما جاءت أمة لعنت أختها. ثم إ ن الآباء أنفسهم مذنبون وذالك لتكاسلهم عن متابعة أبناءهم في يومياتهم في المدرسة.
هذا إذا هو داء التعليم وما من داء إلى أنزل الله له دواء والرأي عندي هو الأخذ بالوصفات التالية علها تخفف من وجع مرض التعليم :
أولا : ينبغي فصل التعليم عن السياسة فتكون له وزارة شبه مستقلة في قرارتها وتمويلها وأن تسند للآكفاء ذالك خير.
ثانيا : التركيز بشكل رئيسى على الابتدائية وتسليح المعلم بكل مايحتاجه من وسائل مادية ومعنوية تسمح له بوضع اللبنة الاولى في العملية التعليمية بشكل سليم.
ثالثاً : التشدد في مسألة تجاوز الفصول بحيث لايسمح إلا لمن هم أهل لذالك.
رابعاً : توفير المعدات الضرورية لتقريب المعلومة من الطالب ومحاولة نقلها من طور التنظير إلى طور التطبيق.
خامساً : تبني مقاربة النجاعة في مجال التعليم بدلا من مقاربة المطابقة التي ثبت فشلها.
سادسا : ضرورة وضع برنامج ترى فيه كل الشرائح ذاتها ولاتشعر فيه أي شريحة بالغبن ومحاولة التذويب أو الاقصاء.
سابعا : وضع حد للتغييرات الغير مدروسة في المناهج التعليمية والتلاعب بها وهو أمر لايتناقض مع تطوريها نحو الافضل لكن مع مراعات القيمة التراكمية في العملية التربوية.