لم تعد هناك قوى وطنية تحترم إرادة المُواطن ولا تؤمن بالدولة ككيان على الجميع أن يعمل لتقويته؛ فما رأيناه لا يمكننا وصفه؛ فجميع أشكال الفساد تم تطبيقها بالتراضي والتفاهم ووفق الدستور!
الجميع يتحمل المسؤولية؛ ولن تستطيع أي جهة أو فرد التنصل. كذلك فكل مواطن موريتاني مسؤول اليوم؛ عما حصل ويحصل وسيحصل؛ وحتى الساكت عن حقوقه فهو شيطان أخرس.
نحن شعب لا يتجاوز الخمسة ملايين نسما، وقد ابتلانا الله بسياسة عرجاء جعلت كل فرد فينا يعمل لنفسه أو قبيلته أو شريحته أو ولايته، أو لانتمائه الفكري (إخواني، صوفي، تقدمي، سلفي، قومي، بعثي)... أكثر من عمله لدولته التي تؤويه وتحميه. هذه السياسة هي أكبر خطأ يمكنه أن يقضي على مشروع الدولة المؤسساتية العادلة بين جميع مواطنيها. فهل العيب في السياسة وغياب البعد الاستراتيجي والأمني لمشروع الدولة الموريتانية. أم أن نقص الوعي والكفر بالدولة الحديثة والزناد العسكري هو السبب؟
وما دور المؤسسة العسكرية وانقلاباتها المتكررة في الإبقاء على البلد متخلفا مكبلا بالاحباط في ذيل التصنيفات العالمية؟
إن مهمتنا اليوم هي: تنظيف أنفسنا من الشر وحب الأنا وبناء أنفسنا بناءاً رصيناً، ومن ثم نشرع ببناء وطننا ونعمر ما خربه أشرار أمتنا الموريتانية ونحن جميعنا منهم! وعلى المؤسسة العسكرية أن تعود إلى دورها الطبيعي. وأن تعي أن خراب الدولة ستدفع هي أيضا ثمنه من ضعف للتعليم، وغياب الصحة وسوء الخدمات وانتشار المخدرات وتنامي للأحقاد ... إلخ وكما يقول الأستاذ عبد الرحيم العطري (أستاذ السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا): "لم يكتف الجيش في البلاد العربية بدوره الطبيعي المتمثل في حماية السيادة الترابية بل انتقل بكل ثقله الرمزي والمادي من حدود الوطن إلى حدود السياسة والسلطة".
أيعقل أن يخرج علينا في موريتانيا وزيرا يتهم شخصا بعينه بالسرقة ونهب المال العام... ثم بعد ذلك بقليل يتم تكريم ذلك الشخص ويحظى بمنصب أكبر من منصبه السابق بدلا من السجن والعقاب؟!
إن المؤسسة العسكرية في موريتانيا وفي العالم العربي، -وكما يقول محمد نور فرحات- "تباشر الحكم و السياسة إما بطريقة سافرة في شكل حكم عسكري معلن، و إما بطريقة غير سافرة من خلال موقعها المؤثر في قلب النظام السياسي العام".
إن سياسة تضعيف المجتمع المدني وافراغه من دوره وتمييعه، المنتهجة في موريتانيا، والقضاء على الحقل الإعلامي المستقل، والاستهتار بالباحثين وتهجير المعارضين والشباب الرافضين لواقع بلدهم المزري والطامحين إلى دولة مؤسسات مدنية قوية... هي سياسة قاتلة للديمقراطية ولفرض تطبيق القوانين في بلادنا، آن الأوان كي تتوقف.
لقد أثبت تاريخ الانقلابات العسكرية ومبرراتها في موريتانيا، أن المؤسسة العسكرية لا تكتفي بدور مراقبة الحدود وحماية الأوطان من التهديدات الخارجية، بل تساهم في صنع القرار و صنع الرؤساء والوزراء أيضا... ومن المؤسف القول أنها لم توفق حتى الآن في اختياراتها وتعييناتها. بل وتحولت من ضامن محوري لاستقرار البلد، إلى عامل تشرذم تفوح من سياساتها الشرائحية والعنصرية والولاءات القبلية...
تحتاج موريتانيا الآن إلى بعث وانخراط القوى الواعية ومسؤولة والنخب المثقفة، فالمثقفون، -وليس الجيش أو حتى الساسة- لأنهم يظلون مؤهلين أكثر، لتحرير وتنوير المجتمع وقيادته باتجاه الكرامة والعدالة الاجتماعية. فالنخب المثقفة لا يمكن أن تعفي نفسها من أداء مهمتها التاريخية التي تؤكدها مختلف التجارب الإنسانية، ولا يمكنها أن تمنع نفسها من مقاومة كل وسائل القمع والإغراء، تحصينا لأدوارها الطلائعية وتلبيةً لاحتياجات الفقراء الذين هم تحت الركام والغبار وعند أبواب المستشفيات، ممن يأملون من المثقف أن يكون منهم اللسان والعقل الذي يضيء لهم أفضل الطرق والمسالك لانتشالهم من مهاوي الفاقة والتخلف والتطرف.
فهل هذا ممكن؟