بعد مطالعتي لما تعرضت له من جلد لفظي وعيب وشتم وتجريح (ههه) من قِبل بعض الأصدقاء إثر تدوينتي قبل الأخيرة، لا يسعني إلاّ أن أواصل معكم نقاش الفكرة التي تهمني بصرف النظر عن الإساءة وسوء الفهم و"الدياره" للخاسر..
إخوتي الكرام، لستُ على خلاف معكم بشأن سوء الأحوال العامة وحالة الوهن والتخلف المزري التي تعيشها البلاد. لستُ على خلاف معكم في أن دواعي اليأس والإحباط والهجرة والتمرد كثيرة. لستُ على خلاف معكم في ذلك كله...
وصدقوني، إني أتفهم تماما وأقدر اندفاع بعضكم نحو التجريح والإساءة إلى كبار المسؤولين .. وقد تتسع دائرة المستهدفين بالذم والعيب لتشمل كل الميسورين والمترفين من أصحاب المال والأعمال والجاه والوظائف السامية.. أقدر الظروف وأتفهم ما تسببه الفوارق الإجتماعية والغبن وصعوبات العيش من غضب واحتراق داخلي ومرارة .. ولكني قد أختلف معكم في طريقة التعبير عن تلك المشاعر والأحاسيس وكيفية علاج المرض وإزالة الوجَع.
ما أطالب به هو التعامل مع الوضع بتوظيف العقل لا العاطفة وبالأفعال الناجزة لا الانفعال..هناك فرق كبير بين شجب السياسات الخاطئة المتّبعة وبين صب اللعنات على البلد وشعبه ورموزه وتراثه .. وإطلاق النار -نار الكلمات - على كل شيء وضد كل شيء.. لا أخفيكم سرا إن قلت لكم بأني كلما سمعت حديثا يحمل عبارات تهكم أو تبخيس أو ازدراء بالوطن والشعب والمجتمع كلما شعرت بالألم والاشمئزاز كقولهم : "أهل لخيام"، و"الدخن"، و"حميرنا لخظر"، و"ألمليون فاسد" و"المليون منافق"...وما شابه ذلك من التفنن في الإساءة والتشويه والحط من قيمة أرضنا وأهلنا.
مهما بلغت موريتانيا من التعاسة والسقوط، فإني أحبها،،، أعشق أرضها ورمالها وأشجارها وسهولها وهضابها وحقولها.. أحب اهلها أحياء وأمواتا ورموزها وتاريخها.. أغني نشيدها وأرفع علمها.. أنتقد حكومتها ومسؤوليها دون شطط ولا فحش ولا قدح في الأعراض، إلخ،،،
يمكن لأي شاب طموح أن يحلم بالثورة ويعمل من أجلها ليس سخطا على بلده او كرها له ، وإنما حبّا له وسعيا لإعلاء شانه وتحسين أحواله. والأمر يستوجب تغيير العقليات وإصلاح مناهج التفكير.
لا بد من الاعتدال والموضوغية في التحليل و مراعاة نسبية الأشياء والظروف وعوامل التاريخ والجغرافيا والفصل بين المتاح والمستحيل، وبين الممكن والمأمول... لا بد من مراعاة الفرق الشاسع بين "ماذا ينبغي أن يكون" وبين "ماذا يمكن أن يكون".. إلخ..
هناك من السياسيين من يكتفي بمجاراة الجماهير وخاصة الشباب، يُسايرهم، يُجاملهم، يقول لهم ما يرضيهم، كلمات إطلاقية تزنُ حمل بعير من المبالغة والقطع والحسم، جميلة في الأذن، تحرك المشاعر تلامس العواطف وتحشد الهمم؛ لكنها في الغالب لا تغني في الواقع شيئا كونها لا تأخذ بأسباب العقل والحذاقة و التوازن وتوخي الموضوعية اللازمة للتأثير في الواقع الفعلي..
إذا كان الرئيس والوزير والمسؤول يحتاجون إلى السماع لكلام "امبكيينهم" لا "امظحكينهم"؛ فبالقدر ذاته يحتاج الشباب إلى أن يسمع مرة مرة كلاما لا يرضيه..
اجلدو..بلطف!
والسلام عليكم