مأساة أطفال زينب..ليلة من الجحيم في دار النعيم...بلقيس بنت إسماعيل

خميس, 01/16/2020 - 12:13

تتواصل التحقيقات في ملابسات حريق شب ليلة الأربعاء الماضية في مسكن أسرة في مقاطعة دار النعيم وراح ضحيته خمسة أطفال إخوة، واستقطبت الحادثة اهتماما واسعا كما استدعت تعاطف الموريتانيين مع زينب بنت بلال أم الأطفال ضحايا الحريق.

بلقيس بنت اسماعيل

بصعوبة دلفنا إلى البيت المتواضع المزدحم، وفود تغادر وأخرى وصلت للتو، سحنات مختلفة تموج بها الساحة يوحدها مشهد الحزن المتدفق من الملامح، هنا منزل العزاء، بيت عائلة زينب بنت بلال، الأم التي فقدت خمسة من أبنائها في حريق انتهت به أحلام ليلة شتوية في مقاطعة دار النعيم.

على يسار الداخل تقع الغرفة التي تستقبل فيها زينب ونسوة من ذوي قرابتها أفواج المعزين. لم تكن الساعات الست والثلاثون التي انقضت منذ الحادثة كافية لإطفاء لهيب يشع احمراره من عينيها الدامعتين رغم ما تحاول إبداءه من جلد.

نيران!

"استيقظت على صوت فرقعة لم أتبين موقعه ولا طبيعته، حاولت العودة إلى النوم قبل أن أرى ضوءا يكبر حجمه ويقترب" تستجمع زينب شتات صور لم تستطع بعد ترتيبها جراء الصدمة وتقول "قفزت من مكاني لأستطلع الأمر، رأيت سيارة ركنها أحد الميكانيكيين قبل ذلك بساعات، رأيتها وقد استحالت كتلة لهب، وكانت النيران أخذت جانب سقيفة كنت فيها ملاصقة للكوخ الذي ينام فيه الأطفال، عندما رأيت النار تتجه نحونا حاولت فتح الباب ولم يكن الأمر سهلا فكسرته وخرجت وأنا أصرخ بالأطفال أن يخرجوا لكن بدا أنهم ذهبوا عكس اتجاه الباب، لم يتبعوني ولم أستطع العودة إليهم".

    
بحث عن النجدة

يئست زينب من خروج الأطفال نحوها، فأسرعت تستصرخ الجيران الذين حضروا مسرعين وبدأوا كسر باب غرفة مجاورة للعريش ظنا أن الأطفال بداخله فيما كانت الأم في حالة رعب هستيرية، تصاعد اللهيب كثيرا معززا بانفجار قنينة غاز  ولم يكن بأيدي الحاضرين ما يفعلونه. 

كان أحد الجيران قد وصل إلى أقرب فرقة للدرك مستنجدا، اتصل أحد أفراد الفرقة بالحماية المدنية، وانتظر الجميع حضور سيارة الإطفاء باستثناء النيران التي التهمت كل شيئ، نجا فقط أحد أبناء زينب لم يكن في المكان ليلتها. هكذا أكملت أخت زينب قصة الحريق المأساة، مسدية الشكر ل"موريتانيا" -على حد تعبيرها- التي وقفت إلى جانبهم في هذه المحنة من رئاسة الجمهورية إلى جميع أفراد الشعب.   

أين أصدقاؤنا؟ 

في حي 16 بمقاطعة دار النعيم، وعلى بعد كيلومتر تقريبا من منزل العزاء يقع المرآب الذي شهد الحريق، سيارات من الحجم الكبير مركونة بفوضوية في مواضع من مساحته، وفي ركن قصي هناك غرفة إسمنتية اللون يعلوها لاقط هوائي، على ظاهرها آثار امتداد النار وتبدو محطمة الباب. 

أمام الغرفة تنتصب أسطوانات حديدية رفيعة، كانت أعمدة للعريش والسقيفة الملاصقة له، بقايا قطع ثياب وأوراق متناثرة محترقة الأطراف، وأرضية سوداء، يبدو كل شيئ وقد استحال رمادا، و على مسافة تقل عن متر هناك سيارة صغيرة، أو -على الأصح- هناك ما أبقت النيران من هيكل سيارة صغيرة.

من خلف أحد جوانب السور المشكل من مسطحات حديدية، كان صغار يتأملون المشهد، بدا أنهم اعتادوا الوقوف هناك بتلك الطريقة منذ صباح اليوم الحزين. "كانوا أصدقاءنا، أبناء جيراننا، كنا نلعب هنا دائما" تشير كبرى مجموعة الأطفال باتجاه المكان الذي كان مسكنا للعائلة. ربما تساعد البراءة على تجاوز الحزن لفقد رفقاء اللعب، لكن لا يبدو أن النسيان أخذ بعد طريقه إلى الأذهان الصغيرة.

تربية رغم العثرات
٠

زينب، الشابة التي تتنصف عقدها الرابع، تنحدر أصلا من مقاطعة باركيول بولاية لعصابة، لكنها نشأت مع جدتها في العاصمة نواكشوط، تزوجت مرتين وكانت الحصيلة ستة أطفال بين يدي مطلقة لم تجد من زوجيها السابقين والدي أبنائها سندا ولا عونا على نوائب التربية، لكنها رغم ذلك واصلت الكدح لأجل أبنائها.

يقول محمود خال زينب "عملت ابنة أختي كحارسة للمرآب منذ ثمان سنوات تقريبا، واستطاعت بجهد وبمساعدة بعض المعارف والأهل إعالة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و ثلاث سنين، كانوا يراوحون بين المدرسة صباحا و كُتَّاب لتحفيظ القرآن مساءً. 

استغاثة متأخرة

   يقول المدير الجهوي للحماية المدنية رئيس مركز تنسيق العمليات في ولاية نواكشوط الغربية آلاسان مامادو تراورى إن عناصره المداومين تلقوا الساعة الثالثة وأربعا وعشرين دقيقة اتصالا من دركي أفاد بحدوث حريق، ولأن الاتصال كان مقتضبا جدا لم يفهم مستقبل المكالمة الأمر كما يجب، فأعاد الاتصال ليستوضح من المتصل بخصوص مكان الحادثة وطبيعتها، بعدها أطلق نداء للنجدة استقبله الساعة الثالثة واثنتين وثلاثين دقيقة مركزُ الحماية المدنية في تيارت حيث كان الأقرب جغرافيا للمكان، تحركت سيارة إطفاء وعند وصولها طلبت الإمداد من مركز تيارت.

يتحدث السيد تراورى عن تأخر الاستغاثة التي وصلتهم، وإلى نفس السبب يعزو أكثر الحوادث التي لا يكون التدخل فيها ذا جدوائية، مطالبا بتغيير العقليات لأن أكثر الاتصالات على حد قوله لا تأتي إلا بعد أن تفشل الطرق التقليدية في السيطرة على الحرائق. لكنه أيضا يعترف بأن هناك نقصا في نقاط التدخل قائلا إن هناك عملا على تقليصه عبر زيادة المراكز واكتتاب المزيد من العناصر، على اعتبار أن المسافة عامل أساسي في مستوى نجاعة التدخل.

انتفاء الشبهة الجنائية

تحدث مصدر أمني ل"الشعب" عن التحقيق الذي استدعي على ذمته أشخاص من بينهم الميكانيكي صاحب السيارة ومالك المرآب الذي يحوي ورشتين إحداهما للميكانيكا والأخرى للِّحامة. 

وحسب ما وصل إليه التحقيق - الذي ما زال متواصلا- فإن مصدر الحريق ينحصر - لحد الساعة- بين السيارة (رينو - ميغان) التي ركنها صاحبها في المساء بعد اكتشافه أن مكابحها لا تعمل، ركنها على نية أخذها صباحا إلى المرآب لإصلاحها، ومن الوارد أن يكون تماس كهربائي قد حدث داخلها ما أدى إلى اتقاد النيران وانتقال الحريق إلى العريش. 

أما المصدر المحتمل الثاني فهو الأسلاك التي تزود المسكن بالكهرباء والتي تبدو ضعيفة جدا و ربما لم تتحمل قوة الشحنة الكهربائية خصوصا في وقت متأخر يفترض أن استهلاك الكهرباء فيه ينخفض بنسبة كبيرة.

"عموما لم تقد الأدلة حتى الآن إلى وقوف نية إجرامية خلف الحادث، والأرجح أنه كان عرضيا" يقول المصدر الأمني. 

لا جواب من صوملك

اتصلنا بالشركة الوطنية للكهرباء، خلال استجلائنا لخيوط الحادثة، أردنا معرفة ما إذا كانت الشركة قد فتحت تحقيقا فنيا في الموضوع، خصوصا وأن حوادث احتراق منازل جراء الكهرباء وقعت مؤخرا بشكل متكرر، لكننا لم نجد تجاوبا من طرف المؤسسة.

تعاطف وتساؤل

أم الشهداء، كما سماها عدد من نشطاء مواقع التواصل، زينب بنت بلال لقيت تعاطفا كبيرا من المجتمع الموريتاني بعد الكارثة التي حلت بها، وما زالت أسئلة تطرح حول ما حصل، وإشكالات تثار بشأن الواقع والظروف التي هيأت لحدوث تلك المأساة وآليات تغييرها تفاديا لحوادث مشابهة، في ظل تعدد وتداخل للأطراف التي تتقاسم المسؤولية.