الحوادث- هذه رسالة كانت قد بعثت بها سجينة منذ فترة أي قبل سنة أو اثنتين تشكوفيها مرارة السجن..وتعرض وقائع الأسباب التي جرتها الى السجن ..وقد حرصت فيها السجينة ان لا تذكر شيئا عنها..وتلتمس من الحوادث أن لاتكشف عن صاحبة الرسالة حتى تبقى مجهولة وهذا نص الرسالة:
.."أنا أعيش قهر السجن والذل والهوان،لا لذنب أخلاقي، أو مخالفة تمس بالحياء العام وقعت فيها،أو جريمة مستنكرة اغترفتها من محارم الله،أو تخرج عن الإطار العام لضوابط الشريعة،او أخلاق ومبادئ المجتمع.
أنا سجينة بين أربعة جدران في سجن النساء بعرقات من غير محاكمة ولا توجيه أي تهمة محددة أقدم عليها أمام القاضي في المحكمة.. أنا تهمتي التي جئت بها من أقصى البلاد في سيارة خاصة تحت حراسة خاصة من عساكر أرغموا على مراققتي وتسليمي إلى السجن بعرفات،مثل ما أرغم القاضي والوكيل الذين أمرا بحبسي من غير حول منهم ولا إرادة.
قد يتساءل البعض عن أسباب قصة حبسي..وسأجيب عن ذلك في حينه..أنا سجينة رغما عن أبي وأمي اللذين يعتصرهما الألم والحزن صباحاومساء، لايقدران على التصرف او فعل شيء، حتى دموع الألم لايمكنهما سكبها، لكي لا يفهم "جنكيز العشيرة"أنهما أبديا من تعاطفهما معي تذمرا واستكارا ضده.
جريمتي التي أتناول في هذه الرسالة الحديث عنها مع الكثير من التحفظ على اسمي وعنواني،وكل مايتعلق بما يمكن ان يقود إلى حتى اتسبب في ما يؤذي أسرتي أكثر مما كان وما تتعرض له من ألم تحت كماشة سلطة "جنكيز عشيرتي"..لا اريد أن أكتم كبيرة ولا صغيرة من تفاصيل قصتي.، ومع ذلك لا أريد أن أبوح بمثقال ذرة منها..ذلك لأن الذين سيتأثرون من بطش"جنكيز" سيتألمون أكثر من ألألم الذي أعاني منه بين أربعة جدران ضيقة في ظلام لا أكاد أرى النور منها إلا من فرجة صغيرة لا تفتح إلا في أوقات متباعدة ليدخل منها السجان قطعة خبز جافة وحساء تنبعث منه رائحة صرف حمامات السجن.
قصتي التي جرتني لكل ما أعيشه و أسرتي من ألم لايدري قدر عمقه إلا الخالق الذي بيده تصريف الأمور ورفع الظلم عن المظلوم،والذي أرفع إليه دعائي لينتصر لي.حان وقت حكايتها كما أسلفت :
قبل سنوات حين كنت أتردد على المدرسة تعرفت على الكثير من الشباب بينهم من هو من عشيرتي ،وفيهم من جمعتني به مقاعد الدرس فقويت بيني وإياه عرى صداقة.. من الشباب الذين عرفتهم واحد كان الإبن المدلل لصديق والدي شيخ العشيرة وسيدها الذي تقوم بأمره وتذهب على رأيه.. كان هذا الشاب منحرفا، بحيث كان يتحرش بالفتيات من طالبات المدرسة،ويستغل نفوذ والده ووجاهته في التغطية على أعماله المنحرفة.. كنت أسر إلى والدتي بمحاولات الإبن المنحرف لشيخ العشيرة تعقبي في طريقي إلى المدرسة وقطع الطريق لي وأنا عائدة إلى المنزل..لكن الوالدة الكريمة الرحيمة ذات القلب الرؤوف كانت تعتقد أن تصرف الشاب طيش مراهقة ويزول مع الزمن،ولذلك كانت تطلب مني دفعه بالتي هي أحسن.
مرت الأيام بسرعة البرق وكبر الشاب، وكبر معه الانحراف الذي ولد معه،بحيث أنه شكل حوله جمع من أبناء الحي ياتمرون بأمره و ينفذون رغباته المنحرفة..وشاع بين الجميع طبائع الإبن المنحرفة عن المألوف لكن ليس في الحي من لديه القدرة على كشف ذلك بسبب مكانة والده التى استقلها الولد في ممارسة الانحراف مع النساء،وقصصه مع مطاردة المتزوجات.. واستفحل المرض في الشاب بسبب تغطية الجميع عليه خوفا من ما يعكر صفو والده الذي قرر أن يدفع بابنه في الجيش.. وتنفس الجميع الصعداء بخبر غياب ابن شيخ العشيرة الذي يلقبوه نساء الحي فيما بينهن بالشيطان المهوس بحب النساء عن الحي.
ومرت سنوات على الشاب بعيدا يتلقى التدريب العسكري في إحدى البلدان ليتخرج ضابطا في الجيش رغم مستواه المعرفي الضئيل والذي لايرقى إلى أي مستوى..فقد ترك مقاعد الدرس قبل ان يحصل على المستوى الابتداء رغم محاولات والده الفاشلة بدفعه الى متابعة الدراسة.
جاء اليوم الذي عاد فيه الشاب ابن شيخ العشيرة من رحلته يزهو بنياشين بنجوم ذهبية..فماكامن من الجميع إلا أن سعد وفرح مع الوالد الذي نحر الجزر وذبح الضأن احتفالا بعودة ابنه ضابطا في الجيش.. لكن فرحة الجميع قطعها حزن خيم على العشيرة وانتاب الجميع ذهول وحسرة وأسف على السيد الذي أصابته نوبة قلبية لم يغادر منها الفراش إلا إلى مثواه الأخير في حسرة وغم عليه من الجميع.
كانت المفاجأة الكبيرة والتي كان يخاف الجميع حدوثها فقد كشف مجلس الشورى في القبيلة أن شيخ العشيرة أوصى بأن يتقلد رئاسة العشيرة ولده الضابط..وتم تقليد الشاب الضابط الذي تخرج حديثامقاليد المشيخة، وذلك في حضور كبير من شيوخ العشائر المجاورة والتي تربطها بالقبيلة علاقات دموية وجيرة في الحيز الجغرافي،ومباركة السلطات التي كانت تعتمد على نفوذ والده وسلطته.
وما إن انتهت أيام التعزية وانصرف المعزون حتى بدأ الرئيس الجديد الشاب المتهور والمريض بالانحرف يضع ضوابط جديدة لنظامه،فقرب منه جماعة الشباب التي كان يتوكأ عليها في نزواته وانحرافه.وأبعد مجلس الشورى الذي كان يعتمد عليه أباه في الاستشارة وتدبير شؤونه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، واستبدله بالمنحرفين من أصحابه الذينكانوا يندبونه على افعآله المنحرفة.
وفي خضم اعتلاء الشاب لكرسي المشيخة أرسل بعض المقربين منه من الذين يشهد الجميع عليهم بالانحراف برسالة إلى والدي يخطبني منه وكان أنذاك قد انتشر في جميع الحي خبر خطبتي من أحد أبناء عمومتي يعمل معلما يدرس في إحدى القرى التابعة لإحدى الولايات شمال موريتاني. وكان على وشك العودة ليكمل الزواج.
وعند ما أكد الوالد لرسل شيخ العشيرة أني خطبت وأنتظر عودة الخاطب ليكمل زواجه مني، أرسل الشيخ بالتهديد والوعيد،واعتبر رد والدي استهزاء وإهانة لمكانة شيخ العشيرة،وتدخل بعض المقربين منه إلى والدي يطلبون منه تجنب غضب الشاب احتراما لمكانة والده بينهم، ووصيته لهم.وماكان من والدي إلا أن شرح لهم أنه كان قد التزم لشاب من أبناء عمومته كان قد تقدم لخطبتي قبله ووافق بناء على موافقتي.
لكن الزعيم لم يستسغ تلك المبررات ولم يقبلها.. بل تصرف ضد الشاب خطيبي وفصله عن العمل بفعل نفوذه حيث وصفه للسلطات العليا بالمعارض الخطر الذي يعمل لجهات خارجية بناء على انتمائه لأحزاب في المعارضة المتطرفة، وكان كل ذلك ماهو إلا قصص لفقها ليرفعها وزير التعليم الذي تصرف عليها متحججا بأن مثل هذا الشاب خطير على التلاميذ لأنه سيسمم فكرهم.
ولم يكتف "جنكيز العشيرة" بذلك بل صادر ممتلكات والدي من قطعان المواشي والإبل التي كانت ترعى إلى جانب قطعان والده وأثبت من خلال وثائق من السلطات أنها تدخل في ممتلكات والده وأنها كانت إعارة منه لوالدي،وهو ما ليس صحيحا..ومارس شتى وسائل الضغط على والدي حتى يخلع خطيبتي من الشاب الذي هاجر خارج البلاد بحثا عن العمل حتى يتزوجني..لكن "جنكيز" أرسل يتعقبه وعند ما وصل إلى إحدى الدول الإفريقية تآمر عليه مع بعض أعوانه واستمالوه حتى أوقعوا به، ولفقوا له تهمة سجن بسببها من قبل الأمن في ذلك البلد.
وبسبب تضافر الهم والمشاكل التي تضافرت على والدي قبل مكرها على خلع خطوبتي من الشاب وتزويجي من رئيس العشيرة "جنكيز"،حتى يفك أسر الشاب ويخرج من ورطة "كامبيالات" كان الرئيس قد اخذها من تجار كان والدي يتعامل معهم حتى يضغط بها عليه.
واحتفلت العشيرة بالمناسبة التي شاع خبرها في كل الأطراف،وحضرها الفنانون والشعراء ،واستغرق الحي اياما وليالي لا حديث له إلا عنها..لكن المشكل الذي وقف في وجه "جنكيز" رفضي له كزوج..فقد واجهته بكل قوة وعزم ولم ألن له حتى رفع علي دعوى بالنشاز ،واعترفت أمام القاضي الذي قدمت أمامه بكل ماكان من رفض من معاشرة له.. وصرحت أني أفضل الموت على ان يدخل بي... أو يمارس معي الحياة الطبيعية كزوجة.
وما كان من القاضي إلا أن أمر بحبسي في سجن النساء بنواكشوط الذي أقضي فيه ليلتي الثالثة ...تحياتي