كان الامل، وما زال، ولن يزال حادي مسيرة الشعوب والمجتمعات والدول، نحو اهدافها القريبة والبعيدة؛ ولقد قادت الآمال العراض، مجتمع الدولة الموريتانة الحديثه، على دروب مسيرته المرتجلة التي بدأت فبل ستة عقود من الزمن، وجد بها السير نحو مستقل لم تتضح معالمه يومئذ، بما يكفي؛ لكن غيمة الآمال التي أظلت المسيرة المترددة، مبشرة بالخصب والنماء والتقدم، كانت تسفر في نهاية كل شوط، إذا استثنينا شوط النشأة، كانت تسفر عن ريح صرصر، ورعد مخلف، وبرق خلب؛
ثم تتوالى الأشواط المرهقة الكالحة، متشابهة في مقدماتها، متطابقة في نتائجها الكارثية المحبطة للآمال، حتى إن الآمال رنفسها فضت التجدد، خلال مقاطع متعددة من مسار الطريق الطويل، خاصة في مغبة التدافع العبثي الخشن، وذلك لثقل ما ساور النفوس من يأس وقنوط، وما اخلف حداة المسيرة، والركب، وما نقضوا ونكثوا، من وعد وعهد ويمين؛ نكث ونقض، ونكث، عيضت بها وبمثيلاتهت جرعات متلاحقة من الآمال الوطنية العريضة.
ما كان احد من الناس يصدق، وخاصة شهود المرحلة، ان شجرة الآمال الوطنية التي تعاورتها فترات الرمادة المتلاحقة، مبكرا، فجفت عروقها، ستعود للانتعاش، من جديد؛ ومن كان يصدق أن بعد العشر الشداد التي تمطت بصلبها كليل امرئ القيس، من كان يصدق أن بعدها عاما {فيه يغاث الناس وفيه يعصرون}؟ لكن ما لم يكن في الحسبان حصل حين فتح الله على أهل البلد المنكوب، بتناوب سلمي فريد، وغير متوقع، تناوب يعكف قادته وصناعه انيوم على وضع آلية تحول وطني سلس وآمن، يصنع قطيعة مع الماضي، ويفتح بوابة الأمل من جديد، على مستفبل مختلف..
الامل الذي تتنسمه بلادنا اليوم، بعد حصول ذلك التناوب السلمي الواعد، ومباشرة الرئيس الغزواني وفريقه مهامهم، بتفويض من الشغب، لم يعد ذلك الأمل عنوانا باهتا ملتبسا، أو سحابة صيف مبرقة مرعدة؛ بل هو اليوم امل محدد المعالم، واضح الفواصل، والاركان والفصول، ينطلق من وإلى إرساء دولة مواطنة حقيقية، تحنو على جميع أبنائها، بلا إقصاء: حضانة، وإطعاما، وتعليما، وتشغيلا، وأمنا، وعلاجا، ونيلا للحقوق، وعونا على اداء الواجبات، وضمانا لتكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون؛
هو امل كبير، بدأت بوادره اليوم تتحق، ونحن نستقبل كوكبة من آبائنا وإخوتنا البررة، وأمهاتنا وأخواتنا الماجدات، وهم يسترجعون حقوقا أساسية، طالما حرموا منها، ظلما وتحكما، فاضطروا للعيش بعيدا عن أوطانهم وملاعب طفولتهم، وعن أهلهم وأموالهم، وقد منعهم المزاج الشخصي للمتحكم المتسلط، حتى من إلقاء نظرة الوداع الاخيرة على آباء وأمهات وأعزة عبروا إلى الدار الآخرة، في غيبتهم القسرية؛ لكن الامل والإصرار على تحقيقه جعا المدن والقرى والاقاليم الموريتانية، تلبس اليوم زينتها لاستقبالهم بالاحضان والزغاريد والاعلام.؛
اتجاهات الأمل الجديد، متعددة ومتشعبة، تستهدف إنصاف المواطن واستنقاذه من واقعه الاليم المتطاول، ومحاصرة الفساد الذي أحبط مسيرته طوال العقود، وقص مخالب غيلانه، واقتلاع انياب ديناصوراته وحيتانه الكبيرة والصغيرة، وصولا إلى تدابير تجتث نبتته الخبيثة، وتنفي عوامله ومشجعاته، وتستعيد الأموال الوطنية المنهوبة، منقولة وغير منقولة، والتي تم الاستيلاء عليها، من غير حق، خلسة، او جهارا، ثم تحين مساءلة المختلسين، وإجبارهم على مسروقاتهم، كجزء من عقوبة رادعة.
أمل عريض أيضا، ينتظر التحقق، وهو حتما في طور التحقق، وهو أن يتمتع كافة ابناء وبنات وآباء وأمهات وإخوان وأخوات هذا الوطن العزيز، بمجموع حقوقهم الدستورية، بدءا بالحيازة السهلة والكريمة للأوراق المدنية، ومرورا بالحق في التعليم والدراسة، والحق في العمل والوظيفةذ، وحق التملك والنشاط، وحق الإقامة والسفر؛ فضلا عن حق التعبير والتفكير، وحق الانتماء إلى الأحزاب والمنافسة على جميع المناصب السياسية، وإنشاء وعضزية المنظمات المدنية والنقابية والحقوقية الخاضعة للقانون والدستور؛
وتزداد جرعة الأمل اليوم، وتتجدد في نجاح النظام، في توزيع العدالة بين المواطنين بالقسط، حتى لا يضيع حق لأحد، ولا يظلم أحد أو يعتدي عليه؛ وتزداد الآمال أيضا في ضمان العيش الكريم، في الحد الادنى، لآلاف الأسر والافراد، ممن هم في دائرة الفقر المدقع، أو الإعاقة المقعدة؛ وجرعة الأمل في توزيع الثروة الوطنية، على قاعدة لا غابن ولا مغبون؛ بلا إقصاء او إهمال؛ وجرعة الامل في استتباب حقيقي للأمن على النفس والعرض والعيال ومصادر العيش.
الأمل حادي مسيرة الشعوب؛ وبجرعاته المتجددة تنقاد الحياة نحو اهدافها الصحيحة!!