في مجتمعنا – المجتمع الموريتاني- لا يوجد مفهوم واضح للحزب يمكن أن يُعرف به، غير أنه جمهور يؤمن بمصلحة مشتركة تعتمد على المنفعة وتقود إلى التقرب من هرم السلطة..الأمر الذي يعني أن المجتمع استيقظ من غفلته في عمق الصحراء على كيان تسوده قوة مشتركة بين القبيلة والجهة ونفوذ المال. وتربي على أن هذه العوامل مجتمعة هي العمود الذي من غيره لا وجود لمفهوم قوة يمكن لها البقاء.
ومن هذا المنطلق ترسخ مفهوم أديولوجية القبيلة والجهة والنفوذ وساد بقوة، خاصة مع بدايات الانفتاح الديمقراطي في التسعينات، وما رافق ذلك من تحولات ظلت فيها قوى الأديولوجية الفكرية التي برزت إلى النور مع هذه المرحلة – بعد أن كانت خفافيشا تعمل في الظلام- عاجزة عن التأثير على المفهوم السائد الذي عشش في أذهان وفكر الطبقة التي سيطرت عليها المصالح النفعية بفضل جهود القبيلة والتحالفات الجهوية التي لعبت دورا مهما لمحاربة المفهوم الصحيح، والذي يعتمد في بنيته على المعيار الفكري والثقافي والسياسي المنهجي.واستطاعت كسب المعركة رغم التجاذب القوية التي شهدتها بداية المرحلة.
وجدت أحزاب الفكر اليساري واليميني نفسها محاصرة – بين كماشة القبيلة والجهة والنفوذ-غير قادرة على توصيل رسالتها بسبب غياب الشعبية التي انسحبت وراء بريق أمل بعيد كضوء خافت في كبد سماء ليلة مظلمة..وتلقت الأديولوجية الفكرية ضربات قوية موجعة من ربان أديولوجية القبلية والجهة والنفوذ،ومنيت بهزائم لم تكن مقدرة. كل ذلك بسبب تغلغل الأديولوجية الحديثة المؤسسة على فكر القبيلة والجهو والنفوذ المادي.
وإذا كان ولد الطائع يعد المؤسس لهذا النموذج من التفكير الأديولوجي، فقد شهد البلد إرهاصات من هذا التفكير إبان ميلاد الدولة خاصة مع انتخابات 1957 بين ولد حرمه وولد انجاي ،والتي استغلت فيها الإدارة النموذج بقوة لهزيمة الفكر الأديولوجي الطافح المتمثل في ولد حرمه.
ولكن الفكر تعمق أكثر وانتشر بفاعلية مع الرئيس ولد الطائع، الذي كان وراء خلق التحالفات القبلية داخل إطار الحزب الجمهوري، والتي مكنته من السيطرة وهزيمة منافسيه خلال جميع الانتخابات التي خاضها من 1992 وحتى الإطاحة به 2005.
ولم يغير الذي انقلبوا عليه من منهج التفكير الأديولوجي. بل احتفظوا بقالبه، مع تغيير في أسم الإطار من الحزب الجمهوري إلى حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الذي ورث التركة وعض عليها بالنواجذ، مع تقييم طفيف تمثل توسع دائرة الخلاف بين القبيلة الواحدة والجهة الواحدة ورجال أعمال في مؤسسة واحدة، وذلك لتكريس دور التنافس بين القوى، ويحتدم الصراع أكثر.
ويبقى الشباب المغمور بسحر الأحلام داخل الحزب الحاكم الجذوة المشتعلة، و الواجهة التي يطل منها الحزب على الجمهور لتمرير رسائله المقلوبة.. وفي نهاية المطاف يجد نفسه خارج اللعبة في كفة التهميش والضياع يتأسف على ما ضاع من عمره هباء.
محمد أحمد حبيب الله