كان مساء يوم الجمعة الموافق 2 الثاني والعشرين من شهر مايو الثامن والعشرين من شهر رمضان من سنة 1441 هجرية.. السلطات في نواكشوط على قدم وساق للتحضير لتشديد غلق الحدود من وإلى العاصمة نواكشوط بسبب الانتشار المذهل لفيروس كورونا.. وزارة الصحة مندهشة من الأرقام المذهلة التي ظهرت فجأة.. والحكومة متوترة في ظل الحالة المتردية والتي فاجأتها بعد أن أيقنت أن البد نجا وتجاوز مرحلة الخطر..
كان الجميع يبحث عن منفذ يتسلل منه إلى قريته النائية في ركن من أركان الولايات المحاصرة بسبب تعليق الرحلات منها أو إليها.
عبد الله شاب في مقتبل العمر غادر قريته قبل ما يناهز سنة في ضاحية من ضواحي لبراكنة ومستعد من أجل أن يدفع كل ما كان قد جمعه من خياطة الملابس في سوق الغار بالميناء ليقضي العيد مع اسرته..سيدعالي ينحدر من قرية في ضواحي عاصمة ولاية الحوض الغربي ويعيش حالة نفسية غير مستقرة يشعر باكتئاب منذ ان فرض حذر التجول ومنع الجميع من السفر.. كان في اعتقاده أن الحالة فترة وتزول مع مضي اسبوع أو أثنين.ز لكن أن يصل الحال أن تمنعه من قضاء العيد مع والده ووالدته اللذان يسمع من حشرجة اتصالهما عليه عمق اشتياقهما على رؤيته ..
عبد الله لديه عسكري سيسافر الى عاصمة ولايته ويريد منه دفع مبلغ 20.000 أوقية قديمة مقابل مرافقته.. والعسكري ينتظر حلول الظلام حيث سيكون زميله في الدوام على رقابة المرور في المعبر.. بينما ينتظر سيدي عالي نائب برلماني كان والده قد طلب منه أن يرافقه إلى عاصمة الولاية .. لكن البرلماني اعتذر في اللحظة الأخيرة أن سيارته لم يبق فيها مقعد فارغ ... لم يبق لديه غير الاتصال بعسكري كان قد أخبره زميل له أن بإمكانه أن يعبر به إلى حيث يريد.. رن هاتف العسكري ,, ,التقطه بسرعة .. أنا وميل فلان.. أخبرني أن لديك مقعد لمسافر إلى المدينة الفلانية..العسكري.. نعم .. مقابل 30.000 أوقية ..لايهم موافق.. العسكري انتظرني في آخر نقطة من توجونين .. حيث محطة المسافرين..
حمل سيدي عالي أغراضه وغادر بسرعة نحو المحطة..
فيما حمل عبد الله أغراضه في اتجاه محطة ملتقى الرابع والعشرين.. حيث كان ينتظره العسكري في سيارة مرسدس مظلمة الواجهات، ومعه ثلاثة أشخاص.. لم تستغرق رحلة المتجه نحو الجنوب غير ساعة ونصف حيث نزل بأغراضه في نقطة النقل بألاك .. تنفس الصعداء وهو يتنسم نسمات البحر الهادئة، وجو صاخب بين المتبضعين في السوق.
..........
لم ينتظر سيدي عالي طويلا حتى وقفت على مقربة منه سيارة" آفنسيس" ، وانحشر فيها بسرقة إلى جانب اثنين في المقاعد الخلفية بينما كان في الأمامية يجلس شاب نحيف يغطي رأسه بلثام أخضر في مقعد القيادة، والى جانبه في المقعد الأسير رجل ضخم .. وانطلق السائق بسرعة والجميع واجم مربكين حول أمر الطريقة التي سيعبر بها السائق عشرات نقاط التفتيش التي سمعوا أنها متشددة. في أمر الخروج أو الدخول. ترك نقطة الشرطة بتلوحة خفيفة بأصبعه أنه عائد.. ونزل برهة لتحية عنصر الدرك المداوم على الطريق النقطة الموالية .. وكرر نفس التحية لكل النقاط التي كان يصادفها في الطريق.. حتى عبر جميع النقاط .
وفي صباح يوم العيد وبعد ليلة من السفر المتواصل دخل سيدي عالي النعمة.. وهو يكاد يطير من الفرح بنجاحه في التسلل وقضاء العيد مع أسرته.. وما إن نزل من السيارة حتى وجد جملا شدت عليه راحلة في انتظاره لنقله إلى القرية..