ليس من عادتي التعليق أو الخوض في الأمور ذات الصلة بأداء الحكومة أو من يتولون إدارة شؤون البلاد ربما لقناعتي بأن تلك السياسات كثيراً ما كانت ولاتزال خاضعة لتفاهمات جهوية وقبلية من الصعب على هذا الرئيس أو ذاك تجاوزها في ظل غياب دولة القانون والمؤسسات القادرة على تجاوز الضغوطات التي تمارس بين الفينة والأخرى من قبل هذه الجهة أوتلك، ونظرا لحجم الخطر الذي أصبح يتهدد البلاد يفعل السياسات الإرتجالية والتي لايبدو في الأفق وضع حد لها أراني مضطرا لكشف بعض الأخطاء الإستراتيجية التي درج أولو الأمر في هذه الربوع على ارتكابها ربما عن وعي أو غير وعي منهم لمدى خطورتها على كيان الدولة فما هي أهم تلك الأخطاء؟ ومالسبيل إلى تصويبها؟
منذ أن أدركني العقل إلى أيام الله هذه وأنا أرى سادة القصر الرمادي المتعاقبين على كرسي الحكم يتصرفون كالفلاح المصاب بالحول أو العمى فيشق مكانًا من الأرض ويضع البذرة في غير موضعها ثم يهيل التراب في موضع ثالث، فالسادة عندنا يشخصون مشاكل البلاد في خطاباتهم وتعهداتهم ويقدمون الحلول المناسبة لها نظريا حتى إذا جاء وقت التطبيق على أرض الواقع نراهم يتبنون سياسات لاتمت لعلاج الأوضاع المزرية بصلة، بل تزيدها تعقيدا أحيانا كثيرة، فمن أخطائهم على سبيل المثال لا الخضر:
أولاً: هدم الموجود من أجل تبرير الوجود؛ فكلما جاء أحدهم لعن سلفه ونسف إنجازاته على قلتها ليبدأ هو من جديد فتضيع بذلك حلقة مهمة من حلقات بناء الدولة مع ضياع القيمة التراكمية للإنجازات إذ من الخطأ تصور بناء دولة بين عشية وضحاها أو في مأمورية أو مأموريتين.
ثانيا: إعادة تدوير المفسدين؛ عادة مايحتفظ رأس السلطة في هذه البلاد ببطانة السوء التي كانت مع سلفه فبدل كنسها والتخلص منها نجد أفرادها يتبوأون المناصب العليا وكأن في ذلك نوعا من التشجيع لهم على أفعالهم الدنيئة التي خربت البلاد وأهلكت العباد وأذاعت الفساد، وفي الٱونة الأخيرة أصبحت المناصب تورث لأناس لاحظ لهم من الكفاءة إلا أنهم أبناء شيوخ قبائل أو أصحاب أموال طائلة من المحتمل أنها جمعت من سرقة المال العام ولاهم يحزنون!
ثالثا: إهمال الصحة والتعليم؛ وتلك سمة أولو الأمر عندنا فلا نراهم يعطون كبير اهتمام لهذين القطاعين غير الوعود الجوفاء، وحجتهم في ذلك هي أن المشكلة تراكمية وعند محاولة حلها يبرز حولهم وفشلهم بشكل فاضح فمثلا يعترفون بأن حل مشاكل التعليم والصحة يتطلب تحسين ظروف الطبيب والمعلم ويشيرون إلى ذلك في الميزانية العامة ثم يوعزون إلى أغلبيتهم البرلمانية بتعطيلها وعدم تمريرها، ثم بدل اكتتاب كميات معتبرة من الطواقم يبنون مدارس ونقاط صحية تظل بلا طواقم تعمل بها.
رابعا: مركزية القرارات، كثيرا ما يتدخل ولاة الأمر في كل شيئ بحيث لايتمكن الوزراء والحكام والولاة من القيام بأعمالهم بشكل سلس ومرن وهو أمر مناف لشعار اللامركزية الذي يرفعونه دائما وذلك بسبب حب السلطة والتمسك بها لدرجة قد تجعل منه مستبدا لسان حاله كحال الويس 14حين قال: الدولة أنا