"أمتأ"..من خادمة منازل ..إلى طالبة متفوقة..

أربعاء, 10/28/2020 - 12:37

"أمتأ".. سيدة في الأربعين من العمر، ينحدر والدها الذي لم تحظ برايته، من قرية  بضواحي "لكوارب" عاصمة ولاية الترارزة في الجنوب الموريتاني.. أما والدتها فتنحدر من قرية من قر "تنبدغه" بمقاطعة النعمة عاصمة ولاية الحوض الشرقي.. التقيا من غير سابقة معرفة ولا تمهيد، عندما كان والدها في جلب مع جمع كبير من ولايته، وقرر التخلف وراءهم لغرض كان يضمره، ولم يكشف له عن أقاربه الذين حاولا معه كثيرا من أجل الرجوع معهم، ولم يفلحوا، حسب ما تحكي الحكاية التي تحتفظ بها ابنته"أمتأ".

مع ارتحال سكان القرية بسبب القحط الذي ضرب المنطقة، رحلت والدة "امتأ" إلى "لكوارب" من أجل أن توفر القوت لابنتها ووالدتها عملت في خدمة الأسر، وكافحت كثيرا حتى  توفر الحياة لابنتها التي بدأت تخطو بخطوات سريعة نحو الكبر..وما كادت الطفلة"أمتأ" تصل السن السابعة حتى تعرضت والتها الحادث حيث صدمتها سيارة بينما كانت تجتاز أحد الشوارع الرئيسية في المدينة..وتم نقلها إلى المستشفى حيث قضت أياما في غرفة العناية المركزة.. ثم خرجت بعد أن قطعت رجلها ، وتعرج على رجل واحدة.. تأثرت البنت كثيرا، من حالة والدتها التي لم تعد قادرة على العمل لتأمين الطعام لها ولجدتها الملاصقة للفراش من سنوات..قررت الطفلة ذات السبع سنين أن تخلف والدتها التي لم تعد تقدر على الحركة في العمل.. وفي صباح يوم قارس تسللت الكفلة"أمتأ" بخطوات سريعة إلى المنازل التي كانت تخدم فيها أمها، وتحركت كالفراشة بجد ونشاط،تخدم بطريقة نالت أعجاب أصحاب البيوت، وفي المساء عادت إلى والدتها وجدتها تحمل ما لذ وطاب من فضائل طعام أصحاب البيوت.. نظرت إليها والدتها والدموع تغلب عليها.. وضمتها إلى حضنها..

وتتابعت الأيام والطفلة تكبر شيئا فشيئا وعلاقتها تتوثق بأصحاب البيوت، وتكبر في عيونهم، ويجبون بها..حتى قررت في لحطة من الزمن المتسارع أن تخصص جزءا من وقتها لزيارة حجرة للدرس، ولو كلفها ذلك اقتطاع جزء من ما تحصل عليه من خدمة البيوت، أو كلفها الزيادة في أوقات العمل .. واهتدت إلى شيخ مسن معلم للغة الفرنسية، وتعاقدت معه على أن يعلمها الفرنسية، وحدد معها أقاتا لزيارته في منزله..

وطارت الفتاة التي تدخل سنها الخامسة عشرة من الفرحة.. ومرت عليها سنة  تتابع عملها بانتظام وتزور معلمها الذي أعجب بذكائها وسرعة حافظتها..واهتمامها الكبير بالتعلم.. وقرر المعلم أن يلحقها بالمدرسة التي يدرس فيها لتشارك في مسابقة دخول المرحلة الإعدادية.. ونجح في ذلك بعد تجاذب بينه والمدير الذي قبل بعد أن شرح له المعلم المعروف في طاقم المدرسة  بحبه لعمله وتشجيعه للتلاميذ الذين لديهم القدرة على المنافسة.

شاركت الفتاة في مسابقة دخول الإعدادية  في حيرة منها، وفرحة عارمة تملأ جوانبها الصغيرة.. وما أن أعلنت النتائج حتى كان اسمها في طليعة الناجحين من المركز.. واستدعى المدير الفتاة في حضور طاقم المدرسة لتهنئة الفتاة وأسرتها التي كشف المعلم للمدير أنها تتكون من عجوز لا تفارق الفراش منذ سنوات .. ووالدتها الضريرة من قطع رجلها..تأثرت الفتاة من عدم حضور والدتها في يوم كهذا حتى تشارك ابنتها فرحة نجاحها.

لم تترك الفتاة خدمة البيوت التي تحصل منها على ما تطعم به والدتيها.. وتابعت في اعدادية  لكوارب  تحرز التفوق من سنة لأخرى حتى حصلت على  معدل عالي مسابقة التجاوز إلى المرحلة الثانوية.

وقررت بعد حصول هلا شهادة ختم الدروس الإعدادية المشاركة في مسابقة الممرضين ، ونجحت بتفوق والتحقت مدرسة الصحة، وخلال السنة الأولى في المدرسة توفيت جدتها التي عاشت حزنا شديدا عليها كاد أن يؤثر على دراستها.. وفي سنتها الثانية رحلت والدتها .. وعاشت سنة أخرى من الحزن اشد من الأولى.

وبعد تخرجها من المدرسة الوطنية للصحة بدأت حياتها العملية حيث تم نقلها إلى مركزصحي في "انبدغه"..