الحوادث- تنهدت "أست"وأطلقت زفرات كالجمر الملتهب، وهي تحاول أن تكبح شلال الدموع الذي انهمر من عينها..وتوجهت أنظار من في القاعة نحوها وهي تخطو خطوات بطيئة، بأقدام مرتعشة، نحو هيئة المحكمة التي استدعتها لتمثل أمامها..كانت رهبة الموقف شديدة عليها..تحاول بجسارة أن تتجاوز المرارة التي تعيشها، من فقد ولدها الوحيد، الذي تقف اليوم أمام المحكمة لتؤكد لهيئتها أنها سحبت دعواها من قاتله الذي وقفت إلى جانبه، يسرد قصة قتله لابنها من غير أسف أو يرف له جفن، أو ينتابه شعور بالتأنيب.."جمعتنا الصدفة على الشارع، في حي "النحارة"، وطلب مني مبلغ 100 أوقية قديمة، ما يعادل 10 أواق جديدة.. وعندما تحججت أني لا أملكها.. أخذ بذراعي وجذبني إليه..ودخلنا في عراك.. وجه كل منا طعنة للآخر..لكن طعنة سكيني أصابته في القلب ومات في الحال.."
لم تكن "أست" الأم الوحيدة التي عاشت مثل هذه اللحظة، بهذه الحسرة والألم.. بل تقدمت أكثر من واحدة لتقف جنبا إلى جنب مع غريم قتل فلذة كبدها بسكين في لحظة إغماء بسبب شرب مسكر، أو تناول جرعة مخدر،أو نفس من دخان "الحشيش".
فقد كانت قاعة محكمة الجنابات بقصر العدل بولاية نواكشوط الجنوبية اليوم الخميس الموافق 29/04/2021 تعج بالحضور لمحاكمة مشمولين في أكثر من ثلاثة عشرة ملف غالبيتهم متهمين بالقتل العمدي، مما حول القاعة إلى مسرحا لدراما من المأساة،شحبت منها الوجوه،وتقاطرت الدموع، وانقبضت القلوب لهول ما دار من قصص أحداث قتل كان أبطالها شبان تتراوح أعمارهم مابين العشرين والخمسة والعشرين.
ورغم إرجاء هيئة المحكمة بموافقة النيابة لغالبية ملفات المتهمين بجرائم القتل..إما بسبب عدم حضور ممثلين عن الضحايا، أو نقص في جزئيات مهمة في الملفات .. مثل وثائق على حصر الورثة،أو أخرى تثبت سحب الدعوى..كانت تهم الموت بالقتل العمدي تغلب على التهم الأخرى المتعلقة بالسرقة والمخدرات.
"ساقو"شاب من مواليد 1996 في الميناء،حكم عليه بالسجن نصف سنة قضاها في السجن المدني بنواكشوط، وفي اليوم الموالي ليوم خروجه من السجن اغترف جريمة قتل يقف اليوم أمام القاضي منتصبا ويفرج عن ابتسامة عريضة..يوزعها على الحضور في التفاتة بين الحين والآخر.. وإلى جانبه يقف عم الضحية الذي يطلب ب 3.200.000 أوقية قديمة دية لدم ابن أخيه الذي قتله "ساقو"الذي نظر إلى ولي الضحية باستهزاء.. وهو يسرد على القاضي قصة قتله للضحية.. "لقد قتلت الضحية ب"موس"كان معي..كنت أدافع عن نفسي.. فهو أيضا كان يحمل "موس".. وكان يريد قتلي..لا يهمني العفو من ولي الضحية..أو غيره.. ليس لدي مال.. "واستشاط غضبا،مما دفع القاضي رئيس المحكمة -الذي كان متساهلا سمحا في تعامله مع المتهمين- إلى إصدار أمر للشرطة بإعادته لقفص الحجز.
وتتبع والدة "ساقوا" إبنها إلى خارج القاعة وهي تردد وكأنها تبرير فعل ولدها.."كل منهما كان في غير وعي بسبب السكر.. وكانا يتقاتلان بالسكاكين..كل منهما مجرم..كل منهما مجرم.."
يضرب رئيس المحكمة بمطرقته على الطاولة ليعم الهدوء القاعة بعد عاصفة ثورة "ساقو"ويستدعي المتهمين في الملف الموالي.
محمد احمد حبيب الله