حول الإعلام والحس الصحفي، وإنجازات النظام / السالك زيد

سبت, 05/29/2021 - 16:41

قام اليوم نظام محمد الشيخ الغزواني بإطلاق أحد أكبر مشاريعه الاجتماعية، وتعهداته في برنامجه الانتخابي، غير أن هذا الانجاز الكبير المتمثل في تأمين 100 ألف مواطن تأمينا صحيا، وكابته تغطية إعلامية أظهرت ندرة “الحس الصحفي” في عشرات الصحفيين العاملين في الإعلام الرسمي، الذي من المفترض أن يقدم هذا الانجاز في قالب صحفي محترف، يجعل الناس “تشعر” به لا أن “تسمع” به.
هناك فرق كبير بين أن تجعل المتابع يشعر بمسألة ما، وبين أن تجعله يسمع بها فقط، فالشخص عندما يشعر بقضية يتعاطف معها، وتسكن في دماغه ويقدرها، وعندما يسمع بها فقط فلن تكون عنده أكبر من قدرها، وقد لا يعطيها حقها، ومن هنا تأتي أهمية “الحس الصحفي” والاحتراف في اختيار الزوايا.

تدرك الخلية الإعلامية لتآزر أن الرئيس سيشرف على إطلاق النشاط في وقت معين، وتترقب ذلك، وتعمل تآزر على جلب بعض المستفيدين إلى العاصمة، لاستلام أوراق تأمينهم. ويدرك الإعلام العمومي أن النشاط المرتقب كبير ومهم عند النظام، بل اجتمع الرئيس بمديري المؤسسات لنقاش الحدث، فلماذا لم يكن الإعلام مميزا في إخراج النشاط الأهم عند الرئيس؟

هناك خطوات لجعل أي موضوع مؤثرا عند المتابع، ويجلب التعاطف، وأستغرب غياب هذه الخطوات عن الإعلام الرسمي في تقاريره المصورة والإذاعية، ومن بين هذه الخطوات:

الأنسنة:

الأنسنة هي مصطلح يستخدم لإبراز الجانب الإنساني، في أي قصة إعلامية، يراد لها التأثير وخلق تعاطف كبير، فبدل أن تعد تقريرا حول إشراف رئيس الجمهورية على إطلاق عملية تأمين 100 ألف أسرة، وتبدأ التقرير بصور الرئيس وتنهيه بها، تبدأ التقرير بقصة إنسانية لشخص أو اثنين أو ثلاثة من القادمين إلى العاصمة من أجل تسلم أوراق التأمين.
لدى بعض المؤمنين الجدد قصص معاناة كثيرة ومختلفة، إبرازها من الكفيل أن يجعل المعارض قبل الموالي، يفهم أهمية القيام بعمل مهم مثل تأمين أمثال هؤلاء صحيا.

وبدل أن يتداول الناس أخبار التأمين كخبر عادي، سيتحدثون عنه وهم يستحضرون قصصا إنسانية تلامس القلب، وبدل أن يقولوا تم تأمين البعض سيقولون “أمنو شيء من الناس فاصلين مسيكنين” وهنا فرق كبير بين المقولتين لما تحمل الأخيرة من مشاعر وتعاطف وتقدير للخطوة.

أنسنة العمل الصحفي، تعتمد على اختيار الشخصيات، وقصصهم، وهذا يحتاج إلى بحث ميداني ومقابلات قبل القيام بالعمل مع المصادر والاستماع إلى قصصهم الشخصية، من أجل اختيار بطل أو أبطال للقصة، التي يراد منها إبراز عمل مثل عمل الرئيس اليوم.

الرحلة The journey

لفت انتباهي في إشراف الرئيس على توزيع أوراق التأمين على بعض المؤمنين، وجود أسماء الولايات على بعض الملفات التي تحمل أوراق المستفيدين، وهذه النقطة كفيلة للقيام برحلة مع شخصية من الشخصيات القادمة من الداخل، بعد التأكد من أن قصتها ملفتة وإنسانية.

الذهاب في حلة مع بعض المستفيدين أمر بسيط لدى التلفزة الموريتانية والوكالة والإذاعة، فهذه المؤسسات بعضها يمتلك مكاتب ومحطات محلية، كفيلة بإنجاز جزء من القصة، وذلك بالتنسيق مع الإدارة المركزية ممثلة في مدير التحرير أو مدير الأخبار، أما مندوبية التآزر فكان من الممكن أن ترسل مصورا مع خطة تصوير لينجز العمل.

الذهاب في رحلة مع شخصية مستفيدة، يمكن أن يبدأ بعملية إحصاء المستفيدين، أو يوم السفر من الولاية إلى العاصمة” لقطات من الشخصية البطلة مع أهلها، لقطات منها تجهز حقيبتها، لقطات منها تودع أهلها، تصريج منها حول شعورها وهي ستسافر لتحصل على أهم هدية يمكن أن تحصل عليها من الدولة، ثم تصويرها وهي تغادر، ويتم تصويرها وهي تلتقي رئيس الجمهورية هنا في نواكشوط، ثم تصريح منها بعد تسلم الأوراق، في الأثناء يمكن أستخدام مقتطفات من الخطابات الرسمية.

الرؤية تنقذ الموقف

الحس الصحفي لا يصنع بالمال ولا بالمعدات ولا بكثرة الصحفيين، فوسائل الإعلام التي غطت الحدث اليوم، غابت عنها القصة وغاب عنها السرد القصصي، و غاب عنها العمل الصحفي المؤثر.

منصة الرؤية اقتنصت قصة أنقذت الحدث من أن يذهب في مهب الريح، من خلال إبراز قصة السيدة “امته منت الحبيب” التي لفتت انتباه الرئيس وأمر بمتابعة قضيتها من طرف الوزير الأول.

دموع أمتها في القصة القصيرة التي تم تكلف تخطيطا مسبقا، وإنما هي حس صحفي فريد من طرف أحد الزملاء في الرؤية، جعلت للنشاط بعدا إنسانيا كان بحاجة إليه، لم يستطع الإعلام الرسمي بعدته وعتاده الوصول إليه.
في الإعلام ليس من المهم كثرة الصحفيين والمصادر البشرية، ولا الأجهزة، وإنما يكفي أبسط المعدات و “حس صحفي” غير أن النقطة الأخيرة غائبة عن الكثيرين ولا تتم تنميتها من طرف البعض.

يحتاج الإعلام العمومي إلى الكثير من التكوين والعمل على التفكير خارج الصندوق، لكي يمتلك مهارات إبراز الأحداث المهمة، في قالب محترف ومهني وملفت للانتباه، وإذا ظل بهذا المستوى فإنه لن يكون قادرا على صنع الفارق.

أما المؤسسات العمومية مثل تآزر وغيرها من المؤسسات فإنها تحتاج إلى إعلام متخصص، وليس إلى خلايا يتم اختيارها على أساس الولاء السياسي أو القرابة الاجتماعية أو المعرفة الشخصية، لكي تخرج من الركود الذي ترزح فيه، فوضعيات الكثير من هذه

 

السالك زيد