الماء شريان الحياة، ورغم تقدم الوسائل في العصر الحديث وآليات الحصول عليه وتوفيره للمواطنين، مزال في موريتانيا وقعا مزريا، حتى في العاصمة نواكشوط،
وفي كل فترة يفتك العطش بالمواطن الموريتاني في العاصمة وفي المناطق الداخلية نتيجة غياب شبكة مائية سليمة وتقصير شركة الماء.
ولا شك في كل انقطاع للماء آو ارتفاع لأسعار براميل الماء المنقول على عربات الحمير، يرتفع صوت المستهلكين جراء تلك المعاناة،
لكن معاناة أشد وطأة يتم تجاهلها من المستهلك ومن الشركة، ومن القيمين على حنفيات توزيع الماء، وهي معاناة كبيرة يكابد أصحابها هجير الحر في أقسى الظروف المناخية، وتخر قواهم بفعل مغالبة الحمير والعربات والماء وطول المسافة، يسيل دفق العرق بالجهد الصعب، مقابل دراهم قليلة، إلا أنها من الرزق الحلال والكدح والتحصيل رغم شح الواقع، تظهر تلك المعاناة على وجوه أصحاب عربات الحمير الحاملة لبراميل الماء، لكنهم رغم الحال واثقين ومسلمين بواقعهم، وليس لديهم كثير تعويل على أية جهة للتحسين من ظروفهم، وهم يحكون بعفوية وصدق، عن معاناة بادية لكل ذي بصيرة ..
في حديث مع "الحوادث" قال "عمار" صاحب عربة حمار لبيع الماء، يقطن في منطقة ملح 5، أن أصحاب عربات الحمير أكثر معاناة في واقعهم من المواطن المستهلك للماء الذي يجلبونه،
فهم كما يقول، انخرطوا في هذا العمل الشاق، بسبب المعاناة من البطالة والفقر المدقع، غالبيتهم غير متعلمين، لكنهم يريدون تحصيل لقمة العيش ولو بالشيء اليسير عن طريق هذا "الحمار" كما يشير،
يواصل عمار، الناس يستهزئون بمهنة بيع الماء على الحمير، لكننا نؤمن بان العمل شرف، والتحصيل عن طريق أي عمل اشرف من اللجوء للتسول أو غيره ..
أما عن واقع مهنتهم، فيقول عمار،
يبدأ المشروع بشراء عربة وحمار " كانت منذ سنوات بثمن يتراوح ما بين 30.000 قديمة الى 50.000 قديمة، لكنها صارت اغلي، تتجاوز 100.000 أوقية قديمة، تبدأ ممارسة العمل الذي في العادة يدر ما بين 2.000 إلى 5000 قديمة في أحسن الأحوال، لكنه موزع بين، علف الحمار ومتطلبات العربة، حيث يأخذ علف الحمار يوميا 500 الى 1000 تقريبا او تزيد،
هذا بالإضافة الى متطلبات الأسرة اليومية 1000 الى 2000 اوقية، مع حاجيات أخرى، يعني ان التحصيل اليومي لا يكاد يسد الحاجة يوميا،
ومن النادر يقول "عمار" أن تدخر الكثير، فعادة بعد سنة من العمل الشاق بالكاد يوفر صاحب الحمار ربحا يقدر ب 100.000 إذا وفق في ذلك .
يواصل عمار، أصحاب الحنفيات أنفسهم، يرفعون سعر شحن البرميل وهو أمر يفاقم معاناتنا، ولا توجد جهة لا البلدية ولا غيرها، توفر الماء عند الحنفيات والصهاريج بسعر ثابت او معقول، لذلك بقدر ما يرتفع سعره، نرفع نحن سعر البرميل للضرورة
ويقول"عمار" نحن نجل الماء من عدة أماكن، وأكثرها بعيدا من حيث "الكليان" الزبناء المستهلكين، وفي حالات انقطاع الماء نرفع السعر لأنه في تلك الحالة، لا تكاد تبيع برميلا واحدا أو اثنين يوميا، ما يعني انك ستحاول توفير حاجياتك وحاجيات الحمار، لأنه عندما ينقطع الماء من مكان القريب، نجلبه من أماكن بعيدة في مقاطعات ومناطق أخرى، ما يسبب كثير من التعب لنا ولدواب
المواطنين المستهلكين، يقول عمار، لا يرون آلا حاجتهم للماء، لا يعرفون مدى صعوبة جلبه ومعاناة من يجلبون الماء،
أما عن السلطات آو جهات معنية، يقول، نحن لا نرى آية جهة مسؤولة عن ميداننا آو معنية بسعر او شيء، فهم لا يقدمون لنا تسهيلات ولا يوفرون الماء بشكل سهل، ولا يساعدونا في تنظيم مهنتنا والقدرة على العيش منها بسهولة، لذلك لا نعول على شيء من ذلك، فقط نجلب الماء ونبيعه للناس المحتاجة له ونكسب حاجتنا ولو بقدر زهيد ..
وعن تمدد شبكات المياه، واستغناء الناس عن عربات جلب الماء، يقول عمار، هو رزق عند الله، ما دام هناك من يشتري عربة ماء فسنظل نعمل للحاجة، وعندما لا يوجد بيع الماء، نستغل العربة والحمار في ميادين أخرى، حمل الأمتعة او شيء من ذلك القبيل..
هكذا يحكي صاحب الحمار عن معاناتهم كمواطنين دفعهم الفقر والحاجة إلى خلق مهن صعبة لتحصيل لقمة العيش
سيدي