حظرً التجوال في عيون الفقراء / د.أمم ولد عبد الله

أربعاء, 09/01/2021 - 18:49

لم يعد بوسع كثيرين تحمل حظر التجوال الذي امتد لفترة اثقلت كاهل  الفقراء في هذا البلد ...

فبائعات الكسكس وأصحاب الحوانيت والمهن الليلة ليس  باستطاعتهم إعالة اسرهم؛ بسبب هذا الحظر الذي لم يطبق سو ى على الفقراء من وجهة نظرهم.

الغريب في الأمر هو خروج بعض النافذين في سياراتهم الخاصة بعد منتصف الليل وتوثيق تجوالهم في الشارع العام في غز الحظر  بالصوت والصورة؛ وليس الفيديو الأخير الذي نشره "المدون زيدان  والمناضل زيدان" سوى جزء من استفزاز للضمير الجمعي وتحريض أكثر من 87% من السكان الفقراء الذين منعهم الحظر من مزاولة أنشطة يعيلون بها أسرا كثيرة.

حتى الجنود العاديون ووكلاء الشرطة والحرس والدرك يعانون هم الآخرون  من استفزازات مهينة أصبحت تهدد ثقتهم في قياداتهم العسكرية.

فحين يتعرض العسكريون الساهرون على تطبيق الفانون  لإساءات لفظية واعتداءات جسدية من قبل نافذين خرقوا الحظر؛ فإن الأمر صار بحكم الو اقع عصياً على التحمل.

فالعسكري الذي مُنع أبوه وأخوه  أوجاره من فتح محلاتهم التجارية  بعد الثامنة مساء؛ يتعرض على قارعة الطريق للاستفزاز بشكل مستمر  من راكبي السيارات الفارهة..ويجبره العرف العسكري امتثالا للأوامر على تحمل إساءات هولاء بدءا من منتصف الليل حتى الرابعة صباحا.

في حديث  التاكسي يظهر بجلاء خطاب التذمر من طول فترة الحظر ؛ الذي تزامن مع ارتفاع صاروخي للأسعار ؛ ومع مضاربات التجار في ظل صمت مطبق لأصحاب القرار.

هذا الواقع المرير جعل الكثيرين يتساءلون  لماذا الحظر في موريتانيا وحدها؟ فالسنغال ألغت حظر التجوال بعد الموجة الأولى؛ رغم انتشار الفيروس ؛ بعد أن أدركت تأثيراته السلبية على الفئات الأكثر فقرا؛ والأمرذاته ينطبق على مالي وكثير من دول العالم.

بعض سكان الأحياء الشعبية يرون في الحظر مجرد تجارة لنافذين وتكريساً لنظرية "المحكرانية" التي تمارسها النخبة الحاكمة على  الفئات الأكثر فقرا في موريتانيا .

طول فترة الحظر أصابت كثيرين بأمراض نفسية ناتجة عن الكآبة ..فبحسب  استطلاع أجريناه في  بعض أحياء نواكشوط توصلنا إلى أن العديد من  أرباب الأسر كانوا يجدون متنفساً في خرجات ليلية في شارع مسعود وشارع المقاومة تنسيهم ولو لساعات مشاكل البيوت المتعلقة بالحاجيات اليومية لأسرهم .

لقد أصبح هؤلاء بعد الحظر مجبرين على معايشة  التفاصيل الدقيقة المزعجة للرجال بطبعها؛ الأمر الذي  بات يهدد التماسك الأسري  بمعظم الأحياء الفقيرة  في العاصمة.

إن ارتفاع مستوى العنف لدى أصحاب المهن الأقل دخلا يظهر أن ثمة تذمرا يتجه بشكل غير متوقع للخروج عن السيطرة؛ فاعتداء سائق "تكتك" على أحد رجال أمن طرق ؛الذي تم تداوله على نطاق واسع؛ يُعد مؤشراً خطيراً على مستوى التذمر الذي وصله المواطن العادي من هذا الحظر الذي بات يرى فيه تهديدا حقيقياً للقمة عيشه.

والظاهر أن تلوين فرنسا لأجزاء من خريطة موريتانيا باللون الأحمر يوحي بإمكانية استغلالها لوضع كهذا في إعادة ترتيب أولوياتها داخل موريتانيا على غرار مافعلت في العام 2008.

فاستيلاء طالبان على السلطة  سيفرض لامحالة مراجعة جذرية لاستراتيجيات مكافحة الإرهاب وللتحالفات الدولية القائمة على هذا الأساس في مناطق عديدة من العالم بما فيها منطقة الساحل.

مابين ثنائية الارتفاع المتزايد للأسعار ومرض العشى الليلي الذي سببه حظر التجوال تبقى عيون الفقراء غير قادرة على رؤية ملامح خريطة الطريق الطموحة التي رسمها برنامج تعهداتي..الأمر الذي سيخلق  تحديات داخلية وخارجية قد لايكون النظام قادرا بالضرورة على استيعابها.