يكاد المواطن، يظفر بجواب مقنع، أو ببيان مسكت، عن علامات وأدوات الاستفهام التي تتراقص أمام ناظريه، يوميا، بالعشرات، حول انشغالات المواطنين وزح هومة همومهم المؤرقة، والتي جعلت منها الإخفاقات المتواصلة، خلال العقود، حالة مهيمنة، نسي فيها المجتمع طعم النجاحات، وافتقد الأمل في تذوقها من جديد.
المؤرقات ليست، بالضرورة، حكرا على المحلي والوطني، بعواملها ومسبباتها، فلربما جاء الأرق من دائرة الجوار المأزوم بالمطامع والهواجس والنذر، وعدا ووعيدا؛ أو ربما جلبتها امتدادات قومية متعددة، تنوء في كل انتماءاتها بأوجاع وعلل مزمنة وطارئة؛ وقد تكون نصيبا معلوما من مؤرقات الأمة الإسلامية وأزماتها العابرة للأوطان والزمان واللسان.
النخب التي تسائلها علامات الاستفهام، وجدت نفسها، بلا قصد، ودون تهيئة ولا مشورة، تقدم مجتمعات أهلية، تعود في شؤون الدولة العامة وقضايا العدل والمواطنة المتكافئة، والحكامة الرشيدة والقانون والحقوق، تعود لمرجعيات بعدد قبائلها وفئاتها وجهاتها، تشترط لولوج دائرة نخبها إتقان صنعة التزلف العابرة للنظم.
هناك طريق آخرى للانتماء للنخبة، وقد جربتها من قبل النظم المتلاحقة التي تعطي على ولاء أعمى، وتمنع ذا المروءة والإباء، طريق معالمها امتهان الخرافة وإدمان العرافة، وتفسير أحلام الأيقاظ والنيام، وجمع الضدين، والتأليف بين النقيضين، إذا تعلق الأمر بموقف تحت الطلب، يتناول جانبا من حق أو واجب المواطنين، أو ألجيران، أو إخوة القوم والدين..
وتسائل علامات الاستفهام وأدواته، النخب، (تحاكمها) عن أمور من بينها الفساد؛ حقيقته، مجالاته، أنواعه، أهله، حربه، حسابات السياسة والقضاء فيه، كيف، ومن، وأين، ومتى، ولماذا؟ كما تسائلها عن جهل ومرض وتخلف وهشاشة مجتمعاتها التي يسيل لثروتها، برا وبحرا، لعاب العالم كله؛ ثم تسائلها عن الاستسلام المهين والمستديم، لكل سلطة متغلبة؛ وعن الحريات ومقتضيات الديمقراطية والقانون.
وتستمر مساءلة (محاكمة) النخب حول أزمات شعوبها ومجتمعاتها، ومن أبرزها وأبعدها أثرا سلبيا، تخلفها العلمي التربوي الذي ترسف فيه، بكل أبعادها وأقطارها، خانعة مستسلمة ذليلة، وهي تجتر عجزها في عصر طابعه العام العلم والمعرفة المتدفقة، عن اختراع وصفة تجمع بين الأصالة والفعالية، تكون علاجا ناجعا لواقع مترد أليم، ألفت الأجيال خزي العيش فيه..!!
وأخيرا، وليس آخرا، تسائل علامات الاستفهام النخب (تحاكمها)حول حشد من المصطلحات المبهمة الغريبة المجتثة من بيئات مفاهيمية لا تلائم مجتمعنا، لكنها تسللت إليه ذات غفوة أو غفلة، ليجري العمل على توطينها في سياقاتنا، ومن ثم يتم توظيفها لتبرير ضبابية مصطنعة هيمنت على قاموسنا، لحجب حقيقة المواقف المستنبتة من عملية توطين الغريب..!!