الإعلام ووسائله، القديمة منها والحديثة، هي أدوات للتواصل ونقل المعارف والمعلومات بأشكالها المختلفة من المصادر المنتِجة لها إلى الجمهور المستهدف بها. وهي بذلك تسهم إسهاماً جوهرياً في تشكل الوعي وتصورات الجمهور فيما يتعلق بالقضايا المختلفة.
وهذه الوسائل لها أيضاً تأثيرها العميق على الثقافة بسبب الطريقة التي تُظهر وتُصور بها بعض القيم المجتمعية على أنها حقيقة.
والترجمة، وهي نقل المعلومات والرسائل من نظام ترميزي إلى آخر أي من لغة إلى أخرى، تستلزم أحياناً التغيير والتعديل في هذه المعلومات والرسائل، ومن هنا جاءت المقولة القديمة إن الترجمة خيانة.
وفي الإعلام والجديد منه خصوصاً تتضاعف فرص تلك الخيانة لعدة عوامل سنعرض لأهمها في هذا المقال.
ووفقاً لبعض الدارسين فإن وساطة الترجمة (أي كونها وسيطة بين لغتين) هي أحد العوامل الرئيسية التي تسهم في مشاكل التحيز الإخباري (bias).
وحديثاً أصبح التنوع، بأشكاله المختلفة، يميز الدول القومية الحديثة التي تدافع عن المزايا الاجتماعية والسياسية للتعددية الثقافية والعرقية لها وقد حظي التنوع الاجتماعي اللغوي على وجه الخصوص (سواء كان بين اللغات أو بين اللهجات) باهتمام متزايد مع تزايد دور الإعلام الجديد أو الاجتماعي.
وتقوم المجتمعات بتقسيم نفسها عن طريق اللغات المميزة، والمؤثرات الاجتماعية، والجنس، واللهجات، وما شابه - وفي سياقات مختلفة، ينشرون أساليب متنوعة بدرجات متفاوتة. بطبيعة الحال، يمثل هذا مشكلات نموذجية للمترجمين، حيث إن أي رسائل متفردة خاصة بمجتمع ما أو بثقافة ما ستكون لا محالة لها دلالات إقليمية أو عرقية أو اجتماعية اقتصادية أو اجتماعية سياسية متأصلة بقوة في ثقافة اللغة المصدر. ومع ذلك، يوفر هذا أيضاً فرصاً رائعة، حيث يمكن أن تساعد الترجمات في التقريب بين الثقافات المتفردة والتواصل معها بشكل أكثر تفهماً لها وربما تعاطفاً معها كذلك.
ويرى جون كاتفورد في عمله الأساسي (A Linguistic Theory of Translation (1965 أنه غالباً ما يسود تأثير التسطيح أو التحييد. لذلك، يمكن أن تعزز الترجمة التجانس بدلاً من عدم التجانس، غالبًا عن غير قصد. كما ادعى الناقد الأدبي Roland Barthes أن الأشكال "غير المعيارية" عوملت بشكل غير ملائم من قبل المؤلفين والمترجمين على حدٍ سواء، ويرجع ذلك أساساً إلى أنها غالباً ما كانت تعتبر هامشية (بارت 1984، 123).
إضافة لكل هذا، فإن الانتباه إلى مثل هذه الاختلافات أمر لا مفر منه في بعض الأحيان. وإن كان يصعب تقريب هذه الفروق الدقيقة في الغالب. وهذا ما يكشف حتماً "المسؤولية الجمالية والأيديولوجية والسياسية للمترجم" وبالتالي، كلما كان التعامل مع حالات التباين اللغوي الواضح مطلوباً، وجب أن يشارك المترجمون في المهمة الصعبة المتمثلة في نقل هذا التنوع عن طريق اللغة - وتكشف قراراتهم بشكل كبير عن وجهات نظرهم العالمية وأيديولوجياتهم الأساسية.
ومن الممكن أن يُقرأ أي نص كتعبير عن ثقافة أو أيديولوجية معينة. ويقدم النص المترجَم، أو الوسيط صوت المؤلف من خلال صوت المترجم، في تجاور معقد لوجهتَي النظر الأيديولوجيتين. كما ذكر باسنيت وليفيفير في مقدمة مجلد الترجمة والتاريخ والثقافة "الترجمة، مثل جميع الكتابات، ليست بريئة أبداً"
وفي أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي، شددت ما تسمى بمدرسة التلاعب على قوة الترجمة في نقل رسالة أيديولوجية لا تكرر بالضرورة - ويمكن أن تعكس أحياناً - رسالة النص الأصلي. ووفقاً لهذا الرأي، فإن "كل ترجمة تتضمن درجة من التلاعب بالنص المصدر لغرض معين" (Hermans 1985).
وفي هذا الإطار أيضاً تقوم الرقابة على نطاق واسع بقمع أو تشويه أو منع نشر الأفكار التي تتعارض مع الإيديولوجية السائدة أو مفاهيم اللياقة. وعادة ما تمارس الرقابة من قبل الأنظمة القمعية، ولكن حتى ضمن ما يطلق عليه العالم الحر أو المجتمعات الحرة، نرى ضرورة بعض أشكال الرقابة.
ويتقاطع عمل الرقيب وعمل المترجم بعدة طرق. كما قال بواسي-بيير وهولمان، "فكلاهما حارس، يقف في نقاط تحكم حاسمة، يراقب ما يأتي وما يبقى خارج أي منطقة ثقافية أو لغوية معينة".
وغالباً ما يكون من الصعب التمييز بين الرقابة المؤسسية وأشكال الرقابة الأكثر دقة التي تحددها الأعراف الاجتماعية فالمترجمون في بعض الأحيان يرغبون في الرقابة وربما يمارسون الرقابة الذاتية (autocensure) وفي أوقات أخرى هم أنفسهم يخضعون للرقابة.
وهنا يمكننا أن نتساءل: ما هي المسؤولية الأخلاقية للمترجم في الإعلام خصوصاً؟ وهل من الشرعي أن تنتقل الرقابة من خلال الترجمة؟ وما هي وسائل مقاومة الرقابة المؤسسية المتاحة للمترجم؟
وإضافة إلى المشكلات العامة التي عرضنا لبعضها، فإن الإعلام الجديد أو الاجتماعي يطرح قضايا جديدة وإشكالات متنوعة في عمل المترجم. لأن الحفاظ على الوجود على وسائل التواصل الاجتماعي أمر حيوي لجميع الأعمال التجارية الحديثة، سواء كانت صغيرة أو محلية أو متعددة الجنسيات. لذلك يجب القيام بترجمة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي لهذه الشركات خصوصاً ذات الجمهور المتعدد اللغات.
وتستخدم الشركات الكبرى وسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل بشكل كامل مع جمهورها المستهدف ليس بلغتها بل بلغة جمهورها. فإذا حاول الجمهور المستهدف ترجمة منشورات وسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى بأنفسهم، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى شعورهم بالضيق والإحباط. وفي كثير من الأحيان سوف يستسلمون ويذهبون إلى شخص آخر.
وقد اختصرت بعض الشركات أعمال الترجمة واستخدمت عمالاً يتحدثون لغتين وهذه ليست فكرة جيدة لأنه من الضروري الحصول على أفضل ترجمة من مترجم متمرس يعرف خصوصيات اللغتين عند الترجمة. وينبغي أن يكون هذا الشخص سريعاً في فهم المصطلحات والفروق الدقيقة حتى يقوم بترجمة دقيقة.
في الأيام الأولى لوسائل التواصل الاجتماعي كانت اللغة الإنكليزية الأمريكية هي اللغة الرئيسية المستخدمة، ومع مرور الوقت أصبحت المنصات الآن متعددة اللغات. فكان على المبرمجين أن يتوصلوا إلى أفضل طريقة لترجمة الشبكات الكاملة للمنصات المختلفة. ومن الصعب للغاية ترجمة منصة وسائط اجتماعية رئيسية مثل Facebook، لذلك كان أغلب المترجمين يميلون للاحتفاظ بالعنوان كما هو.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تمت ترجمة ميزة "الإعجاب" حرفياً إلى العديد من اللغات الأخرى باستخدام العبارة "أعجبني" في العربية و(j'aime) في الفرنسية مثلاً. لكن على منصات الوسائط الاجتماعية الأخرى مثل Twitter كان من الضروري إنشاء أوامر بناءً على اللغة والمصطلحات الأصلية. على سبيل المثال، في العربية الفعل "to tweet" هو "يغرد". نظراً لأن التغريدة مرتبطة بالصوت الذي يصدره الطائر، ولا يتم استخدام هذه الطريقة بشكل عام لأنها قد تمحو صورة العلامة التجارية.
حاولت روسيا والصين إنشاء منصات وسائط اجتماعية خاصة بهما، مثل VK في روسيا وRenRen في الصين، لكنهما لم تنجحا في نشر أجنحتهما خارج بلديهما. وما زال Facebook هو العملاق الأمريكي لوسائل التواصل الاجتماعي على مستوى العالم. وما زال يطرح تحديات عند ترجمة النظام الأساسي إلى اللغات الأكثر استخداماً في العالم.
وهناك أيضاً قيود الطول في منشورات التواصل الاجتماعي.. حيث يحتاج المترجم إلى معرفة ما إذا كانت مشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي محدودة بالطول. على سبيل المثال، مع ترجمات Twitter، يتم تضمين حساب الأحرف لأن Twitter يقبل فقط المنشورات القصيرة. لذلك، إذا كانت الرسالة المترجمة من الإنكليزية إلى العربية على سبيل المثال تتطلب كلمات أقل، فإن عدد الأحرف الأقل ضروري لنقل الرسالة. نظراً للحاجة إلى عدد محدد من الأحرف، ويمكن ملء المساحة الفائضة بمزيد من التفاصيل. ويختلف هذا عندما تكون الكلمات المطلوبة أكثر من الأصل، حيث يجب أن تكون أكثر إيجازاً في ترجمتك.
وهناك أيضاً تحديات ترجمة العامية فلكل من منصات التواصل الاجتماعي مختصراته ومفرداته الخاصة. وهي تحتاج إلى إتقان حتى تكون الترجمة فعالة. وهنا يستطيع المترجمون تعلم كيفية ترجمة لغة الوسائط الإعلامية على المنصات الاجتماعية، ولكن من المفيد جداً الإلمام بالسياقات لضمان أن تكون الترجمة طبيعية وليست حرفية ولا مهلهلة.
لذلك نرى أن الإعلام الاجتماعي يطرح مشاكله الخاصة أمام المترجمين، فهم محدودون بسياقات معينة في المضمون وفي الشكل هم مقيدون بمساحات محددة.